اليمن بعد اتفاقات السويد: تفاؤل حذر وشكوك بالتنفيذ

15 ديسمبر 2018
استقبال وفد الحوثيين لدى وصوله صنعاء أمس(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
حالة من الحيرة والتفاؤل الحذر سادت في الأوساط السياسية اليمنية، وسط احتفاء واضح من قبل السعودية والإمارات وإقرار من قبل جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بتحقيق تقدمٍ غير مسبوق، عقب يوم من اختتام مشاورات السلام في السويد، والإعلان عن نجاحها كأول محطة مفاوضات تُكتب لها نهاية مختلفة، يتحدث فيها المعنيون بنبرة تفاؤل متباينة المستويات، غير أنها ما تزال في العالم النظري الذي ينتظر التنفيذ.

وخلال الساعات الأخيرة الماضية، بدأت أولى نتائج الأجواء الإيجابية لمحادثات السويد، بعودة وفد الحوثيين المفاوض، على متن طائرة كويتية إلى العاصمة صنعاء، خلافاً لآخر محطة مفاوضات سابقة انعقدت في الكويت، ومنع التحالف السعودي-الإماراتي فيها الوفد المفاوض من العودة، ليبقى في سلطنة عُمان لأشهر. وفور وصوله صنعاء، جدد رئيس وفد الجماعة المفاوض، محمد عبدالسلام، التأكيد أن مشاورات السويد تكللت بالنجاح، وأشاد بالدور الذي لعبه كلٌ من المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، وسلطنة عُمان ودولة الكويت والسويد. من جهته، قال عضو الوفد جلال الرويشان، في مؤتمر صحافي، إن مشاورات السويد "وضعت أولى الخطوات الصحيحة على طريق السلام وعلى طريق معالجة الأوضاع الإنسانية". فيما أمل عضو آخر في الوفد هو يحيى نوري، "أن تشهد الأيام المقبلة تنفيذ ما تم الاتفاق حوله، وإن شاء الله تتحقّق نقلة نوعية تهيئ الثقة لخوض مفاوضات أكثر قدرة على معالجة القضايا العالقة".

من جهته، أكد المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، في إحاطة لمجلس الأمن الدولي، أن "نهاية مشاورات السويد ما هي إلا بداية العمل"، متحدثاً عن أن "الجميع قدم تنازلات وعمل بنوايا حسنة طوال فترة المشاورات". وكشف أن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي أكد أمس الأول للأمين العام للأمم المتحدة دعمه للمقترحات المختلفة، كما قدّم الشكر لقيادة "أنصار الله" لالتزامها بإحراز تقدّم في المشاورات. وشدد غريفيث على أن "الأهم هو أن الأطراف تمكنت من الوصول إلى نهاية المعارك في الحديدة"، لافتاً إلى أن اتفاق الحديدة يشمل انسحاباً سريعاً ومتبادلاً من الطرفين، ودخل حيز التنفيذ في 13 ديسمبر/كانون الأول عند نشره.
كذلك أعلن المبعوث الأممي أن "الأطراف توصلت الى توافق متبادل لتهدئة الأوضاع في تعز عبر فتح الممرات الإنسانية وخفض المعارك"، معرباً عن أمله بحصول تبادل الأسرى منتصف شهر يناير/كانون الثاني لأكثر من أربعة آلاف سجين، لافتاً في المقابل إلى أنه لم يتم التوصل لاتفاق حول فتح مطار صنعاء وكذلك الوصول للبنك المركزي، "ومع ذلك سنواصل العمل لحل هذه الملفات". وأعلن غريفيث أن "الطرفين ناقشا إطار العمل، والمبدأ الأساسي فيه ينطلق من المبادرات الثلاث"، مشيراً إلى أن "الأطراف وافقت على مناقشة هذا الملف خلال الجولة المقبلة في نهاية يناير/كانون الثاني".


وانعكس توقيع الاتفاق والتصريحات الإيجابية التي رافقت اختتام مشاورات استوكهولم، ميدانياً، من خلال تراجع وتيرة المواجهات الميدانية والضربات الجوية، وبدا واضحاً أن الجميع في انتظار حقيقة النوايا حول الاتفاقات المعلنة، وبالذات في ملف الحديدة، باعتبارها المحطة المحورية في الحرب وجهود السلام منذ شهور، لتصبح مشاورات السويد أمام امتحان التنفيذ.
وفي الوقت الذي تباينت فيه تقييمات مسؤولي الحكومة الشرعية الذين استشفت "العربي الجديد" آراءهم بشأن نتائج مشاورات السويد، يبدو الجانب اليمني أكثر تحفظاً باعتبار الاتفاقات المعلنة انتصاراً للحل السياسي، مع الالتزام بالصيغة الرسمية، التي ترحب بالنتائج المعلنة واعتبارها مرهونة بالتنفيذ، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال تصريحات رئيس الوفد الحكومي، وزير الخارجية خالد اليماني، والذي أكد أن الشرعية لن تذهب إلى أي جولة مفاوضات مقبلة ما لم يتم تنفيذ مضامين الاتفاقات المبرمة في السويد. في المقابل، لم يجد بعض المسؤولين حرجاً من التقليل من شأن الحديث عن وجود تقدّم، وهو ما عبّر عنه مستشار الرئيس وزير الخارجية السابق، عبدالملك المخلافي، الذي كتب تغريدة على حسابه الشخصي جاء فيها "قبض ريح... قبض ريح"، وكان قد كتب سلسلة تغريدات في الأيام الماضية، بشأن المشاورات، حذر فيها من إشاعة التفاؤل الذي لا يستند إلى معطيات حقيقية.

في المقابل، برز الموقف السعودي الإماراتي ودول أخرى في التحالف واضحاً من خلال تصريحات أكثر من مسؤول، بمن فيهم سفير الرياض لدى واشنطن، خالد بن سلمان، والذي أعلن أن بلاده ترحب بالاتفاق وتشيد بجهود المبعوث الأممي. كما عبّر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية في بيان أمس "عن ترحيب السعودية بما تم التوصل إليه من اتفاق"، مؤكداً أن "المملكة ملتزمة بالوصول إلى الحل السياسي في اليمن بما يضمن أمنه واستقراره وسلامة أراضيه"، داعياً الحوثيين إلى "تغليب مصلحة الشعب اليمني بالوصول إلى حل سياسي شامل". ويأتي ذلك تماشياً مع جملة تصريحات قدّمت موافقة الحوثيين على الانسحاب من الحديدة، كانتصار لـ"الشرعية" والتحالف، لكنها في الوقت ذاته، غضّت الطرف عن التساؤلات التي أثارها آخرون بشأن التفاصيل، والرهان على أنها تبقى الاختبار الحقيقي للنجاح من عدمه.

وفي السياق، يحدد الاتفاق المعلن بشأن الحديدة، فترة أسبوعين عقب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ لبدء إعادة انتشار القوات، وفي هذه الفترة، من المقرر أن يُعلَن عن تشكيل لجنة تنسيق إعادة انتشار القوات في المدينة برئاسة الأمم المتحدة، على أن تُستكمل عملية إعادة الانتشار من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في المدينة خلال 21 يوماً من دخول وقف المعارك التنفيذ. وجاء المصطلح "إعادة انتشار القوات"، عوضاً عن "الانسحاب"، إذ أن المقصود في السياق، هو انسحاب المسلحين الحوثيين من هذه الموانئ أو القوات العسكرية التابعة لهم على الأقل، على أن تحل قوات أمنية محلية متفق بشأنها وتشرف عليها لجنة إعادة الانتشار برئاسة أممية وعضوية ممثلين عن الطرفين.

الجدير بالذكر، أن الاتفاق لا يزال يحمل في طياته العديد من النقاط التي يمكن أن تتحوّل إلى عقبات أمام التنفيذ، إذ يقدّم جانب التحالف والحكومة مقتضى الاتفاق بانسحاب الحوثيين من الحديدة، فيما النص الحرفي يتحدث عن إعادة انتشار "مشتركة ومتفق عليها". وبالتالي فإن الوضع الذي ترتب على الاتفاق، بدأ فوراً بوقف إطلاق النار، وينتظر الخطوة المقبلة، عقب الإعلان عن تشكيل لجنة التنسيق أو تدشين عملها ميدانياً، بما من شأنه اختبار النوايا بالتنفيذ والتفسير العملي لبنود الاتفاق، بالنسبة لكل طرف.

المساهمون