وبدأ الهجوم بتفجير سيارة مفخخة عند البوابة الرئيسية للمنطقة العسكرية الرابعة، تبعه اقتحام مسلّحين، حاولوا التمركز في مواقع داخل مقر القيادة، واشتبكوا مع القوات الموجودة داخله. وهي الطريقة التي بات تنظيم "القاعدة" يستخدمها في أبرز هجماته الأخيرة ضد الجيش. وسقط في الهجوم 18 قتيلاً بينهم ثمانية جنود و10 مسلحين، بحسب حصيلة أوردتها صحيفة "الثورة" اليمنية.
وتُعدّ المنطقة الرابعة، ومقرّها على ساحل عدن، ويقودها اللواء محمود أحمد سالم الصبيحي، من أبرز المناطق العسكرية. وتضم القيادة المركزية للجيش في خمس محافظات: تعز، عدن، لحج، الضالع، أبين.
ويتوزّع فيها نحو 22 لواءً عسكرياً، من بين 75 ينتشرون في 7 مناطق عسكرية في أنحاء اليمن.
وتأتي أهمية المنطقة من كونها تضم مواقع استراتيجية حساسة في اليمن، وتطلّ على خليج عدن، وعلى البحرين العربي والأحمر وتشرف على باب المندب، الذي يعدّ من أهم ممرّات التجارة العالمية. ويُقدّر عدد السفن وناقلات النفط التي تمر من باب المندب، بأكثر من 21 ألف سفينة سنوياً بمعدل 57 سفينة يومياً، ما يوازي 7 في المئة من حركة الملاحة في العالم.
وجاء هذا التطوّر بعد أيام من ظهور تسجيل مصوّر، بثّه "القاعدة"، يُظهر العشرات من عناصره، يحتفلون باستقبال السجناء الفارّين من السجن المركزي في صنعاء في فبراير/شباط الماضي. ويظهر في التسجيل زعيم "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب،" ناصر الوحيشي، ونائبه السعودي ابراهيم الربيش. ويعتقد مراقبون أن تصوير التسجيل جرى في إحدى مناطق أبين المجاورة لعدن.
عمليات نوعية
وبدأ التنظيم في اعتماد استراتيجية جديدة ضد الجيش، مرتكزة على اقتحام الموقع المُستهدف بسيارة مفخخة، يليه سيارة أو أكثر، تحمل مسلّحين يحاولون السيطرة على موقع الهجوم.
وأوضح الخبير في النزاعات المسلّحة، علي محمد الذهب، لـ"العربي الجديد" أن "استراتيجية القاعدة تقوم على طريقتين، وفقاً لطبيعة المهمة وحجم الهدف وطبيعته". وأوضح أنه "إذا كانت العملية تستهدف مقراً عسكرياً كبيراً يصعب العودة منه، فإن تنظيم القاعدة يدفع بمجموعة مهاجمة تتولّى التعامل مع حرّاس الموقع، ثم تقتحم مجموعة أخرى معروفة بـ"العناصر الانغماسية" الموقع".
وتتولى هذه المجموعة تنفيذ مهمتها "في التدمير والاستهداف في عمق الهدف. ويُصاحب ذلك استخدام سيارة مفخخة، لإحداث جانب كبير من التدمير، وخلق حالة من الرعب والهلع في صفوف المستهدفين من الجيش أو الأمن، فيما يباشر باقي عناصر التنظيم عملية القتل ثم التدمير المادي لمحتويات الهدف".
أما الطريقة الأخرى، حسب الذهب، فهي "عملية الهجوم وتنفيذ المهمة ثم الانسحاب، عبر مجموعتين؛ مجموعة هجوم، ومجموعة تنفيذ". وقد يصاحب ذلك استخدام سيارة مفخخة، كما يمكن الاستغناء عن هذا الخيار.
وفي هذه الحالة، تقوم العناصر المنفّذة بتحرير أسرى التنظيم في الموقع المهاجَم، أو أسر جنود المواقع التي هاجمتها. كما تتولى سلب المعدات والآليات العسكرية منها. وفي كلا الطريقتين، قد تقوم عناصر بالتغطية بالنيران من مواقع قريبة، وقد تستغني عن ذلك وفق جغرافية المكان.
أبرز الهجمات
وشملت أبرز الهجمات خلال الأشهر الماضية، اقتحام قيادة المنطقة العسكرية في المكلا (شرقي البلاد) في 30 سبتمبر/أيلول 2013، والسيطرة على غرفة عملياتها لمدة يومين، بعد احتجاز رهائن من أفراد الجيش، قبل قصف مقر القيادة وقتل المهاجمين مع الرهائن.
وتلا ذلك، الهجوم على مجمع وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء والسيطرة على مستشفى داخل المجمع، وقتل 52 شخصاً، بينهم مدنيون بدمٍ بارد داخل المستشفى، قبل أن تتمكن القوات اليمنية من استعادة السيطرة على المجمع وقتل جميع المهاجمين.
كذلك نفذ التنظيم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي هجوماً مشابهاً على مقر قيادة اللواء 111 في مدينة أحور بمحافظة أبين، ما أدى إلى سقوط العديد من القتلى. وكان اللواء نفسه قد تعرّض لهجوم مماثل في العام 2012، حيث تمكن مسلّحو ما يعرف بـ"أنصار الشريعة" من اقتحامه بتاريخ مارس/آذار 2012، وقتل 185 جندياً والاستيلاء على معدات.
وشن مسلّحو القاعدة العديد من الهجمات المشابهة خلال ذات الفترة، لمحاولة اقتحام مواقع عسكرية وأمنية، من بينها مقار قوات الجيش والأمن في محافظة البيضاء (وسط البلاد)، ومقار أخرى للجيش في أبين وشبوة. وكذلك تفجير مبنى الأمن العام في عدن في 31 ديسمبر/كانون الأول 2013، واقتحام السجن المركزي في صنعاء، في فبراير/شباط الماضي.
وأشار "القاعدة" الى أن "الهجمات استهدفت مراكز غرفة عمليات مشتركة للتعاون مع الولايات المتحدة، تتحكّم في توجيه ضربات الطائرات بدون طيار".
تهديد حرج
ورأى مراقبون أن "نتائج التعاون اليمني - الأميركي، بدأ يؤتي ثماره عكسياً، بتحوّله إلى هجمات عنيفة ضد الجيش، وبأنه بات مبعث تعاطف مع عناصر القاعدة". وتخوّفوا من أن "تؤدي التطورات إلى توسع التنظيم في المناطق الجنوبية والشرقية، في وقت ينحسر فيه وجود الدولة التي يتعرّض جنودها لهجمات مستمر".
كذلك يرى المراقبون أن "من شأن انتشار القاعدة أن يكون مدخلاً لتدخل دولي بعمليات عسكرية تحت بند "الفصل السابع،" بحجة فشل اليمن في مكافحة التنظيم".