"كأنك رحبت بالموت، وعزفت له من لحنك "تصافينا". هل خاطبته يا أبو بكر بـ"لا أفتش مغطاء ولا غطي على مفتوش؟ بأكثر من 145 أغنية طربية ذهبت يا أبو بكر، لقد رحلت يا "ظبي اليمن" أيها الابن الموهوب، لم نكن ندرك أنك ستترك معجبيك بالملايين يحتفلون "بالجرح"، وهذا الذي يا صاحبنا ما حسبنا حسابه"، بهذه الكلمات نعى الصحافي اليمني، وليد البكس، الفنان اليمني الراحل، أبو بكر سالم، ومعه جميع اليمنيين الذين سرعان ما استرجعوا أغنيات أبو بكر سالم الممزوجة بكل تفاصيل ذكرياتهم وأوقاتهم هناك في طرقات السفر ومناسبات الفرح وجلسات المقيل في جميع ربوع البلاد.
وتحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى عزاء مفتوح ظهرت فيه مشاعر المرارة والحزن لدى اليمنيين والخليج، وانتشرت سريعاً على مواقع التواصل عبر وسم #وفاة_أبو بكر_سالم.
ووصف الفنان اللبناني، راغب علامة، وفاة الفنان أبو بكر سالم بالخسارة الكبيرة للفن العربي، وكتبت الفنانة المصرية، شيرين، أيضاً على حسابها في "تويتر": "يرحلون وتبقى أعمالهم خالدة في قلوبنا، رحم الله الفنان القدير، أبو بكر سالم، وأسكنه فسيح جناته".
Twitter Post
|
Twitter Post
|
واستبدلت الفنانة أحلام صورة حسابها بصورة أبو بكر، وكتبت في تغريدة لها: "ترجل الفارس ورحل عنا، ودعنا أبونا الغالي أبو بكر سالم".
Facebook Post |
"لقد كان صوت الفن اليمني الأول بامتياز خلال 60 عاماً ولا ثاني له، طوال حياته أصرّ أن يغني ألحان وكلمات بلاده اليمن انتماءً واعتزازاً"، يصف هنا أيضاً وزير الثقافة اليمني الأسبق، خالد الرويشان، أبو بكر ويقول، إن صوته "مثّل عصراً كاملاً وزماناً فارهاً، وسيظل صوته في ذاكرة الأجيال عصوراً وأزماناً لمئات السنين.
لكن في المقابل عبّر بعضهم عن استيائه من تناول الإعلام السعودي لخبر وفاته بعدما عنونت قناة "الإخبارية" وعدد من المواقع السعودية أخبارها بـ "وفاة الفنان السعودي أبو بكر"، وهو ما أثار استغراب بعضهم والتساؤل عن جدوى هذا التعاطي، فرغم أنه يحمل الجنسية السعودية، لكنه ظلّ معتزاً بانتمائه لبلده اليمن، ولم يسبق له أن تخلّى عن ذلك أو قال شيئاً يوحي بذلك.
Twitter Post
|
Twitter Post
|
بداية فنان
وأبو بكر هو الفنان والكاتب والملحن الذي يصعب تحديد بداياته الأولى لرواية مسيرته المفعمة بضجيج الحياة والعطاء. فقد كتب أول نص غنائي وهو في الـ17 من عمره بعنوان "يا ورد محلا جمالك"، ولم تستغرب عائلته أن الطفل اليتيم الذي توفي والده وعمره 8 أشهر من أن يظهر نبوغاً في سن مبكرة، لا سيما أنه نشأ في بيئة مثقفة تقدر العلم في مدينة تريم بحضرموت جنوب اليمن.
من التعليم إلى الغناء
انتقل من مدينته تريم حضرموت إلى عدن في العشرينات من عمره عندما لاحظ ازدهار الحركة الفنية والثقافية آنذاك في هذه المدينة، إضافة إلى وجود مجموعة من أساتذة الأغنية العدنية، وعلى رأسهم محمد مرشد ناجي، وكان أبو بكر مولعاً بالأدب والثقافة والإنشاد، وعمل معلماً للغة العربية لمدة 3 أعوام، ولكنه شعر أن الموسيقى تسكن جوارحه وتجري في عروقه.
بعد ذلك نجح في استغلال الإذاعات المحلية المفتوحة التي كانت تتيح الفرصة للفنانين الشباب وسجّل أول أغنية له "يا ورد محلا جمالك"، والتي لحنها بنفسه رغم عمره الصغير في العام 1956، وطار بهذا الإنجاز فرحاً، الأمر الذي دفعه لكتابة أغنية جديدة اسمها "لما ألاقي الحبيب"، وعاد للإذاعة فوفّرت له الإمكانيات أكثر من ذي قبل، وما لبث حتى بدأ يسري صوت الفنان الشاب عبر الأثير، رغم قصر مدة البث في البدايات.
وفي إحدى حفلات الأعراس بمدينة عدن أخذ الفنان أحمد مرشد ناجي بيد الفنان أبو بكر وقدمه للجمهور لأول مرة، وأمسك بالميكرفون وصدح بأغنيته "يا ورد محلا جمالك"، فصفق له الجمهور، ولم يستطع النوم تلك الليلة إلا وقد شرع في كتابة أغانٍ منها "خاف ربك"، "يا حبيبي يا خفيف الروح" و"سهران ليلي طويل".
خروجه من اليمن
فكّر أبو بكر بالسفر عام 1958 إلى بيروت لصناعة مجده بنفسه، وكانت هذه نقطة التحوّل في حياته التي أشعلت بداخله جذوة الحنين الأبدي إلى مسقط رأسه، وفجّرت داخله مكامن الإبداع وصقلت شخصيته كفنان، وفي تلك المرحلة أطلق روائعه الغنائية مثل "24 ساعة" و"متى أنا أشوفك"، والتي كانت من لحنه وكلماته. وقال أبو بكر سالم عن رحلته إلى بيروت في بعض مقابلاته: "كان يراودني الحلم أن أغني الأغنية الحضرمية وخلفي "الأوركسترا" وأن أخرجها من النطاق الضيق للغناء بالعود والإيقاع، ونجحت في ذلك بين عامي 1960 - 1961".
"من نظرتك يا زين" واحدة من الأغاني التي قدمها في بيروت، وغنى مع نجاح سلام، وأيضاً قدم تعاونيات فنية مع هيام يونس، وظلّ يتردد بين بيروت وعدن مروراً بجدة، إلى أن قرّر أن يبدأ مرحلة فنية جديدة في جدة، حصل بعدها بفترة على الجنسية السعودية، وقدم عدداً من الأغاني الوطنية من أشهرها "يا بلادي واصلي"، "يا مسافر على الطايف"، وتم تسجيلها في بيروت، وبعدها استقر في العاصمة الرياض.
العام الأسود
عام 2000 كان بالنسبة لأبو بكر هو العام الأسود، إذ لم يسبق وأن حزن كما تلك الفترة نتيجة رحيل رفيق دربه الشاعر والملحن، حسين أبو بكر المحضار، والذي كان رافداً له منذ البدايات، وفي كل ظهور إعلامي له يتحدث أبو بكر بوفاء عن المحضار ويخبئ دمعة كبيرة في عينيه عند سرد ثنائية إبداعية امتدت 35 عاماً.
وتمكّن الثنائي من الانفتاح على الأغنية الخليجية وإثراء الحركة الفنية وصناعة حراك جميل امتد لسنوات، وقال أبو بكر سالم في إحدى مقابلاته التلفزيونية: "المحضار فنان لديه إيقاع داخلي في كوامنه".
فنان القرن
وحصل على جائزة أفضل صوت في العالم من "يونسكو" من حيث طبقات الصوت في أغنية "أقوله إيه" عام 1978، وفي عام 2002، حصل على جائزة أوسكار الأغنية العربية، ولقب بـ"فنان القرن" من جامعة الدول العربية في شرم الشيخ، بعد مرور 50 سنة على عطائه الفني.