الوشم سبق الملابس
يعد الوشم تقليداً طقوسياً عريقاً وموغلاً في ثقافات وحضارات قديمة كالهندية والسومرية والفرعونية والآشورية والكلدانية. وقد عثر على وشوم تعود إلى 2000 سنة ق.م، حين كانت بعض الشعوب القديمة تجري شقوقاً على الجلد وتفركها بالرماد كطقس من طقوس العزاء.
وقد ظهر الوشم قديماً في دول شمال أفريقيا، فحتى القرن السابع الميلادي كانت تسكن المغرب العربي قبائل أمازيغية يدين بعضها بالديانة المسيحية نظراً للتأثير المباشر الذي كانت تمارسه الإمبراطورية الرومانية.
من الألم يولد الجمال
تتم عملية الوشم بوساطة أداة حادة غالباً ما تكون إبرة أو مسلة، ويرافق هذه العملية ألم قد يصل إلى فقدان كميات من الدم، وطريقة الوشم تجعل من الوشوم المرسومة ثابتة في الجلد لا تمحى، وقد تغنى الشعراء بالمرأة "الواشمة" فأنشد ثعلب قائلاً: ذكرت من فاطمة البسما_غداة تجلو واضحا موشما.
ارتبط الوشم بالمرأة أكثر من الرجل، وكانت المرأة العربية لدى عدد من قبائل البدو الرحل والمرأة الأمازيغية في ريف المغرب العربي تلجأ إلى الوشم للتعبير عن بزوغ الأنوثة فيها وأنها انتقلت إلى مرحلة النضج، وفي ذلك امتثال لسلطة القبيلة أيضاً.
الوشم رمز القبيلة
تبتدئ العلامة الأساسية للوشم المغربي (ما بين الحاجبين)، حسب ما يذكر الأستاذ عبد الكبير الخطيبي، وتوشم مواضع الجسم بتقسيمها إلى ما هو جبيني، وما هو واقع بين الحاجبين، وعادة ما يخضع هذا التقسيم لشكل جزئي؛ ثلاث نقط عمودية، أو أفقية، ويشير الخطيبي أيضاً إلى استعمال زخرف صليبي مزين يذكرنا بعلامة الزربية، أو بدائرة مزينة بعلامات صليبة.
يحمل الوشم عند بعض القبائل الريفية تاريخ القبائل التي تنتمي إليها وكذلك عاداتها وتقاليدها الاجتماعية، إذ لكل قبيلة أو عشيرة علاماتها المميزة وإشاراتها التي يمكن بفضلها التعرف على أبنائها، فوجود وشم معيّن معناه الانتماء إلى جماعة محددة تختلف عن الجماعة الأخرى. فهي، إذن، علامة للتعرف على هوية من يحمله.
الوشم لإبطال الأعمال السحرية
تستخدم بعض القبائل الأمازيغية الوشم لإبطال الأعمال السحرية أو ضد أعمال الشر أو تميمة واقية من الحسد والعين. ويعد الوشم بمثابة التعويذة الأولى التي تحمي الإنسان من الشر بصنوفه وأشكاله.
الوشم للعبيد والسجناء
الوشم كان أيضاً رمزاً للانحطاط والعبودية عند بعض الشعوب، كما هو الحال في جزر الهاواي حيث ترمز علامات الوشم على الجبين إلى العبودية.
وقد خص الإغريق والرومان الوشم للعبيد، وكان يكتب عليهم عند تصديرهم عبارة "الضريبة مدفوعة"، وكذلك من الممارسات الشائعة على العبيد الوشم على جباههم عبارة "أوقفوني، أنا هارب"، أما الصينيون فاجتنبوه وخصوه بالمجرمين، بينما اهتم اليابانيون به وخصوه لعلية القوم وكانوا يتباهون بجمال اللوحات المنقوشة على صدورهم العارية.
واستخدم الوشم في فترات تاريخية من أجل تحديد هوية السجناء، كما هو الحال لدى السجناء في معسكرات الاعتقال النازية خلال الهولوكوست، وكان علامة للتمييز الخاصة ببعض فيالق الجيش المغربي قبل المرحلة الاستعمارية.
لوحة للإثارة الجنسية
ارتبط الوشم أيضاً بالإثارة الجنسية التي تكسب دلالتها من الأماكن التي يقع عليها الوشم، وفي هذا الصدد ذكر عدد من الباحثين في الأنثروبولوجيا "أن وشم الفخذ والعانة عند المرأة ليس مقصوراً على الحشمة بل يتعداه إلى الإثارة عند الجنسين".
كل ممنوع مرغوب
وقد اختلفت النظرة للوشم باختلاف الحضارات، فحرمه الإسلام. وقد روي عن الرسول الأكرم قوله "لعن الله الواشمة والمستوشمة".
ولأن كل ممنوع مرغوب فقد استطاع الوشم أن يرافق الأجيال، بل اتخذ اليوم أشكالاً مختلفة تساير التحولات الاجتماعية وتزايد الإقبال عليه من طرف الفئات العمرية الشابة، بعد أن تخصصت فيه محلات وصالونات للتجميل.
اقرأ أيضاً: الوشم العربي يغري نجوم العالم