الهند... رحلة تطوّر

11 مارس 2015
ثلاثة عقود رحلة تطور الهند (شندان خانا/فرانس برس)
+ الخط -
شهدت جمهورية الهند ثلاثة عقود من التقدم البطيء في الفترة التالية لاستقلالها عام 1947، حين اتّبع جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال، سياسات اقتصادية متأثرة بالاشتراكية، سعى فيها إلى بناء قطاع عام احتكاري غير تنافسي من خلال تشديد الخناق على شركات القطاع الخاص. ففرض نظاماً رقابياً على الأسعار والإنتاج الذي اعتبر الأكثر صرامة في العالم، ما تسبب في خسارة الهند معظم مزايا التكنولوجيا الأجنبية، وتثبيط الاستثمار الأجنبي، وانتشار الفساد، وبطء النمو الاقتصادي. 

تغيرات عميقة
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بدأ موقف الحكومة تجاه القطاع الخاص يتغير تدريجياً، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود رئيس الوزراء الأسبق راجيف غاندي، الذي قاد حزمة من الإصلاحات الليبرالية شملت، أساساً، خفض معدلات الضرائب والرسوم الجمركية، وإعطاء هامش حرية أكبر للمنتجين. ومنذ عام 1991، أحدثت أزمة حادة في ميزان المدفوعات تغيرات جذرية في السياسة الاقتصادية للهند، حيث قام مانموهان سينغ، وزير المالية الأسبق ومهندس الإصلاحات، بنقل البلاد إلى نظام قائم على السوق، من خلال خفض العوائق التجارية، وكسر احتكار الدولة، ورفع القيود عن الصناعة، والانفتاح على بقية دول العالم، فأصبحت التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي جزأين مُكمّلين للاقتصاد.
كانت لإجراءات راجيف ومانموهان المنفتحة مفعول السحر على الاقتصاد الهندي، حيث نما بوتيرة قوية وبنسبة لا تقل عن 6% سنويا في الفترة بين 1980 و2002 ، وعن 7.5% بين 2002 و 2006، ما جعلها واحدة من أفضل اقتصادات العالم أداءً على مدى ربع قرن. وبينما تضاعف حجم الطبقة الوسطى نحو أربع مرات، خلال العقدين الماضيين، إلى ما يقرب من 250 مليون شخص، فقد تمكن نحو 1% من فقراء البلاد من عبور خط الفقر في كل عام. وكان لتباطؤ النمو السكاني، من معدله التاريخي 2.3% سنويا إلى 1.6%، دور مهم في رفع حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1.2 ألف دولار في عام 1980 إلى أكثر من أربعة آلاف دولار اليوم.
إن أكثر ما يُميز التجربة الهندية ونجاحها الاقتصادي هو تمسكها بالنهج الذي سارت عليه على مدى عقدين من الزمن. فبدلاً من أن تتبنى الإستراتيجية الآسيوية القديمة، التي تعتمد على تصدير سلع مصنعة بأسعار مُخفّضة، اعتمدت الهند على أسواقها المحلية أكثر من الصادرات، وعلى الاستهلاك أكثر من الاستثمار، وعلى الخدمات أكثر من الصناعة، وعلى التقنية العالية أكثر من القوى العاملة غير الماهرة، ما كان له الأثر الكبير في عزل الاقتصاد الهندي عن هزات الركود العالمي، والوصول به إلى درجة عالية من الاستقرار والثبات.

اقتصادات صديقة للشعوب
وقد أثبتت الهند أن النموذج الاقتصادي الذي يحركه الاستهلاك هو من الاقتصادات الصديقة للشعوب عند مقارنتها باستراتيجيات تنموية أخرى، وهو ما يظهره "مؤشر جيني"، اﻟﺬي ﻳﻘﻴﺲ عدم المساواة في الدخل بين شعوب العالم على مقياس من صفر إلى 100، حيث سجلت الهند معدل 33، مقابل 38 للولايات المتحدة، و 45 للصين، و 53 للبرازيل. علاوة على ذلك، فإن 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند، جاء نتيجة زيادة الإنتاج، بدلا من زيادة حجم رأس المال والعمالة، وهو مؤشر حقيقي على تعافي الاقتصاد وتطوره.
ولم يكن صُعود نجم الاقتصاد الهندي، في البداية، نتيجة مساهمات هامة من قِبل الدولة، بل جاء، في نواح عديدة، رغماً عنها، إذ بات لدى الهند شركات خاصة ذات قدرة تنافسية عالية، وسوق أوراق مالية مزدهرة، وقطاع مالي حديث ومنضبط. لكن منذ عام 1991، تحديداً، بدأت الدولة الهندية تتحرك تدريجياً نحو تنفيذ إصلاحات اقتصادية مهمة، أسهمت في تعزيز قدرتها التنافسية بشكل كبير؛ فهناك ثورة اتصالات ما تزال مستمرة، وأسعار فائدة متدنية، ورأس مال وفير، وطُرق وموانئ متطورة. واليوم، فإن أكثر من مائة شركة هندية تتجاوز القيمة السوقية لكل منها مليار دولار، وبعضها مرشحة لأن تصبح من العلامات التجارية العالمية الشهيرة في وقت قريب، مثل شركة "بهارات فورج"، و"جت إيرويز"، و"إنفوسيس تكنولوجيس"، و"تاتا موتورز".
(محلل اقتصادي أردني)

إقرأ أيضاً: "نعم" للدولار في 2015؟
المساهمون