الهجرة هواء بلا أكسجين

20 سبتمبر 2015
+ الخط -
عيلان، الطفل السوري المتمدد على الشاطئ التركي، اختناق المهاجرين داخل شاحنة الدجاج في النمسا، ضرب الصحفية لاجئين في المجر.. كل هذه المشاهد المؤلمة، وقبلها مشاهد كثيرة لا يمكن إحصاؤها، حرّكت ضمائر العالم، لكنها لم تحرك الدول الغربية التي تدعي الإنسانية، لتضغط على من تسبّب بمأساة الشعب السوري، وتزيل المجرمين الذين قتلوا البشر وهدموا الحجر عن هرم السلطة.
أعداد هائلة تهاجر يومياً إلى أوروبا، ولا يمكن لوم الشعب الذي تقطعت بوجهه سبل الحياة على ترك دياره، خصوصاً وأن البلاد العربية حجبت أنظارها عن مأساته التي أضحت مأساة القرن، باستثناء دول الجوار، وبعض الدول المضيافة كالسودان. ولكن، علينا أن نوّعي أفراده الذين تآمر عليهم القاصي والداني، بأن لا يتركوا ديارهم لنظام الأسد، والميليشيات الأجنبية التي لا تنفك عن الهرولة للانتشار في سورية واستملاك أراضيها.
فتح الدول الغربية أبوابها للمهاجرين السوريين إيجابي، يخفف جزءاً من المأساة السورية، لكنه، من جانب آخر، يسهم في تغيير البنية الديموغرافية السورية، وتفتيت هوية الشعب السوري، وإحداث الشروخ فيه، فألمانيا التي استقبلت آلاف المهاجرين وتضامنت معهم بشكل ملحوظ، اعترض وزير خارجيتها، جيدو فيسترفيليه عام 2013 على تسليح المعارضة السورية، علماً أنه لو سمحت ألمانيا وغيرها بعملية التسليح لسقط الأسد قبل تفاقم أزمة اللجوء.
على صعيد الموقف السياسي لقضية اللجوء، قال رئيس الوزراء الهنغاري، فيكتور أوربن، إنهم سيعتقلون جميع المهاجرين الذين يعبرون حدود بلاده بشكل غير شرعي، كما راح لسان وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مارغالو، يغرّد قبل أيام، بإطلاق مفاوضات مع الأسد، لإيجاد حل للأزمة السورية، معتبرا أن لا حل سوى بالجلوس على طاولة الحوار مع قاتل الأطفال ومشرّد العائلات.
وتكشف هذه التصريحات لنا الأقنعة التي يرتديها الغرب، فكل دولة منهم تبحث عن مصالحها الشخصية التي يحكمها منطق التاريخ والمصلحة، لتُسْعِف القارة العجوز بتشبيب مجتمعاتها، من دون الإسراع إلى إسقاط نظام الأسد، ما يكفل للسوريين حياة كريمة في أرضهم، وليس في بلاد الغربة.
ولفتح أبواب الهجرة وتسهيلها أبعاد كثيرة، تتجلى بظهور المشكلات النفسية التي يتعرض لها المُهجّر السوري في بلاد الغربة، من تشتت الأسرة والكآبة الدائمة واليأس والقنوط والشعور بالاغتراب، وتفرُّق شمل أغلب العوائل بين البلدان، بحثاً عن الأمن والعيش الكريم.
وآخر تلك الأبعاد التي يراد منها إغراق العقل السوري في بحر الإنحلال الأخلاقي، ظهرت جلية بعد أن نشر سوري صورة للمنهاج الدراسي، حيث كان يطلع على كتاب ابنه الذي لم يتعد المرحلة الابتدائية، ليتفاجأ بدرس يحتوي صوراً لطفل وطفلة عاريين داخل البيت، ثم يذهبوا إلى المسبح، وهو ما يتنافى مع أخلاقنا وأعرافنا، نحن الشرقيين، مسيحيين كنا أو مسلمين.
avata
avata
ساهر اسكاف (سورية)
ساهر اسكاف (سورية)