الهجرة من تونس تتّسع... والتحويلات تزيد

03 نوفمبر 2014
مهاجرون تونسيون يبحثون عن الأمل (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
منذ سنة خلت، شهدت ضفاف جزيرة "لامبادوزا" الإيطاليّة مأساة إنسانية تمثّلت في غرق قارب يحمل على متنه ما يزيد عن ‏‏300 مهاجر غير شرعيّ من دول أفريقيّة وعربيّة، كمصر وليبيا. وقبلها بسنة، عرفت تونس حادثة مماثلة حين عصف الموت ‏بقارب كان على متنه 30 شاباً تونسيّاً.‏ 
المشكلة لا تنتهي عند المهاجرين غير الشرعيّين، بل تمتدّ لتشمل أولئك، الذين يتركون بلدهم قسراً بحثاً عن حياة أفضل في الخارج، بعدما ارتفعت حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس. يعيش المغتربون التونسيون بغالبيتهم في ‏دول الاتحاد الأوروبي، ويحولون الى تونس الأموال، التي تساعد عائلاتهم لتحمل ارتفاع حدة الأزمة المعيشية.
ووصل عدد المغتربين التونسيين إلى المليون و200 ألف شخص، بحسب الإحصائيات، التي أصدرها "ديوان التونسيّين في ‏الخارج" لسنة 2014. يتركّز 85.5% من هؤلاء في أوروبا، وتستحوذ فرنسا على نصف عدد المغتربين ‏بنسبة 54%، وهم يحملون الجنسية الفرنسيّة ويعملون في شتّى المجالات، في حين يتوزّع العدد الباقي على الدول الأوروبية الأخرى، منها ألمانيا بنسبة 7.1% ‏وإيطاليا بنسبة 15.5%.
أما الذين يهاجرون إلى خارج القارة الأوروبيّة، فيتوزّعون على النحو التالي: 12.3% في الدول ‏العربيّة و3% في أميركا الشمالية و0.1 في آسيا واستراليا، وذلك وفق المصدر الإحصائي ذاته. ‏
وتبلغ تحويلات المغتربين التونسيّين سنوياً ما قيمته 2.240 مليار دولار، كما جاء في إحصائيات الديوان، في حين تبيّن نشرة وزارة المالية لعام 2013 أن تحويلات المغتربين تحتلّ المرتبة الرابعة من حيث عائدات العملة الصعبة في تونس، بعد صادرات النسيج، التي تحتلّ المرتبة ‏الأولى وصادرات الصناعات الكهربائيّة وقطاع السياحة.
ولكنّ "هذا الدور الكبير الذي تلعبه الجالية التونسيّة في الخارج لم يكن باختيارها"، كما تقول الناشطة في حقوق الإنسان، هندة ‏شنّاوي، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، لتضيف أنّ غياب الإمكانات وفرص الحياة ‏الكريمة، هي أسباب أساسية تدفع الشباب التونسيّ إلى الهجرة والبحث عن آفاق أرحب في بلدان أخرى. ‏
وتستطرد شناوي أنّ "الحكومات التونسيّة المتتالية استفادت من هجرة الشباب التونسي إلى الخارج لتخفيف وطأة ‏الاحتقان الاجتماعي الداخلي الناجم عن البطالة". وتضيف أن الحكومات مستفيدة في الآن ذاته من تحويلات المغتربين المهمّة.
ولكنّ المشكلة ‏الأهمّ، حسب رأي شناوي، تكمن في أنّ من يغادر البلاد لن يستطيع العودة إليها ثانية لغياب ما قد يشجّعه على ذلك، إن كان من ناحية توافر ‏المناخ السياسي المستقرّ، أو الحوافز الاقتصاديّة القادرة على تلبية تطلعات الشباب واستيعاب مكتسباته العلمية أو المهنيّة، ‏التي راكمها في الخارج.‏
في السياق نفسه، يعلّق خبير الشؤون الاجتماعية ومتابع ملفّ الهجرة السريّة، عبد الرحمن الهذيلي، على مسألة الهجرة، قائلاً إنّ "هذه المعضلة صارت تستنزف القدرات ‏البشريّة للبلاد في ظلّ صمت حكوميّ مريب تجاه موجات الهجرة، السريّة منها والشرعيّة".
بخلاف الذين غادروا تونس ‏بطريقة قانونيّة، استطاع ما يزيد عن 54 ألف شاب أن يصلوا إلى الضفّة الشمالية للقارة الأوروبية خلسة، حسب ‏دراسة أصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في سنة 2013.
ويفسّر الهذيلي ‎إقبال ‏الشباب على الهجرة عبر البحر بعد الثورة بأنه ناتج عن حالة الانفلات الأمني، التي شهدتها سواحل البلاد خلال السنوات الماضية. ويتابع: "كما أن الكثير من ‏الشباب تولدت لديه قناعة بأن المستقبل القريب في بلاده لا يبشر بما هو أفضل على المستوى الاجتماعي أو ‏الاقتصادي"‎.‎‏ ويضيف أنّه "يوجد نزيف بشريّ تعرفه البلاد، ويوجد تقاعس رسمي عن ضبط الحدود وخلق مناخ يبقي التونسيين في أرضهم، ويعيدهم من بلدان المهجر".
المساهمون