04 نوفمبر 2024
النووي والاحتجاجات في إيران
"لا تتصوروا أن رحيل روحاني يعني نجاح المحافظين".. بهذه الكلمات، لخص وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، المشهد المحتقن في بلاده. وهو وإن كان بتصريحه يدافع عن رئيسه حسن روحاني، ويسعى إلى تخفيف ضغوط المحافظين عليه، إلا أنه، من حيث لا يدري، كشف حقيقة الأزمات الداخلية التي تشهدها طهران وبعض المدن الإيرانية من وقت إلى آخر، فعلى الرغم من أن إيران مثل أي دولة أخرى، تتأثر بالبيئة المحيطة بها، وبضغوط الدول الأخرى عليها، تظل الكلمة الفصل في صيرورة الأوضاع الداخلية، لعوامل واعتبارات داخلية بامتياز. وينطبق هذا على إيران، ربما أكثر من غيرها.
يفسّر بعضهم ما يجري في إيران بتدهور (وربما انهيار) الوضع الداخلي في إيران، بفعل الضغوط الأميركية والانسحاب من الاتفاق النووي، واستئناف العقوبات عليها. وقد كان ذلك بالفعل هدفاً رئيساً لإدارة دونالد ترامب، لم يُخفِه بعض المسؤولين الأميركيين، لكن المتابع للشأن الإيراني يستطيع إدراك أن بذور الاضطراب في الداخل الإيراني قائمة ومستمرة، بمعزل عن الموقف الأميركي. تأثرت طهران وبشدة بالعقوبات والعزلة التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها على طهران، أو بالأصح "إعادة فرضها"، لكن الضغط الأميركي ربما زاد الوضع الداخلي تأزماً، لكنه لم يخلق له الأزمات من عدم. بدليل أن الاحتجاجات التي نشبت في الشارع الإيراني الأسبوع الماضي ليست الأولى، فقد اندلعت احتجاجات سابقة في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل أشهر من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وكانت احتجاجات يناير أكثر انتشاراً جغرافياً في مناطق متعددة، وأكثر حدة وعنفاً في تعامل سلطات طهران الأمنية معها.
كان الاقتصاد الإيراني في حاجةٍ ماسّةٍ إلى الخروج من دائرة نقص المداخيل المالية، والخلل في ميزان التجارة الخارجية، والعجز الكبير عن تحديث العمل وتطويره في قطاعات متعدّدة، نتيجة حظر توريد التكنولوجيا، فكانت إيران تعاني انكماشاً اقتصادياً مستمراً منذ سنوات طويلة. وجاء الاتفاق النووي بمثابة "قبلة الحياة"، لإنقاذ ذلك الاقتصاد، بل كانت المفاوضات التجارية والاقتصادية بين إيران والأطراف الغربية تسبق المفاوضات النووية، غير أن خروج واشنطن من الاتفاق النووي أوقف هذا المسار، كما لو كانت إيران بحاجة إلى فترة زمنية أطول، قبل أن تخرج واشنطن ويتعثر تنفيذ الاتفاق.
وهنا، تكشف الفترة الزمنية الفاصلة بين إبرام الاتفاق النووي وانسحاب واشنطن منه مكمن الخلل في السياسة الإيرانية، فخلال ثلاثة أعوام تقريباً من الصفقة النووية، توفرت لإيران عوائد مالية كبيرة من صادرات الطاقة والإفراج عن بعض الأرصدة المالية المجمدة في الولايات المتحدة، والانفتاح الغربي على الاستثمار الصناعي والخدمي في إيران. لكن ما حدث أن معظم العوائد الجديدة المتحصلة نتيجة الاتفاق النووي لم تخصص للداخل، فلم يشعر المواطن الإيراني بأي تحسّن في أوضاعه الحياتية، فقد أنفقت طهران عشرات المليارات في الفترة نفسها على مغامراتها الخارجية، خصوصاً في سورية واليمن.
لذا، يخطئ من يتصور أن مؤامرة أميركية أو أذرعا خارجية تقف وراء التظاهرات التي تشهدها إيران حالياً، فالمواطن الإيراني ضحية للأوضاع الاقتصادية الصعبة، وليس سبباً فيها. وعندما تتكرّر الاحتجاجات ومظاهر الغضب في الشارع، على المسؤولين إدراك أن ثمّة شيئاً خطأ. لكن يبدو أن السلطات الإيرانية لم تفهم بعد حقيقة ومعاني التظاهرات التي تكرّرت عدة مرات في السنوات القليلة الماضية، حيث لا تزال بعض القيادات الإيرانية تتبنى الخطاب التقليدي نفسه الذي يعزو انتشار مظاهر الاحتجاج الشعبي إلى مؤامرات خارجية. بينما يلقي بعضهم المسؤولية على حكومة حسن روحاني. وفي ظل العلاقة الحذرة بين روحاني والمرشد علي خامنئي، يجري استغلال الأزمة لتصفية حسابات داخلية وإعادة ترتيب المواقع والنفوذ في دائرة السلطة.
ووسط هذا التنابذ بين أجنحة السلطة، تتسع دائرة التذمر لتشمل، إضافة إلى المواطنين العاديين، رجال البازار. في إشارة قوية إلى أن الرهان المستمر على مطالبة الإيرانيين بالوحدة والاصطفاف خلف السلطة في مواجهة "الأعداء" الخارجيين صار مخاطرة كبيرة، خصوصا مع انكشاف أن السلطة التي تدعو إلى الاصطفاف والوحدة تعاني هي نفسها من الانقسام والتناحر.
يفسّر بعضهم ما يجري في إيران بتدهور (وربما انهيار) الوضع الداخلي في إيران، بفعل الضغوط الأميركية والانسحاب من الاتفاق النووي، واستئناف العقوبات عليها. وقد كان ذلك بالفعل هدفاً رئيساً لإدارة دونالد ترامب، لم يُخفِه بعض المسؤولين الأميركيين، لكن المتابع للشأن الإيراني يستطيع إدراك أن بذور الاضطراب في الداخل الإيراني قائمة ومستمرة، بمعزل عن الموقف الأميركي. تأثرت طهران وبشدة بالعقوبات والعزلة التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها على طهران، أو بالأصح "إعادة فرضها"، لكن الضغط الأميركي ربما زاد الوضع الداخلي تأزماً، لكنه لم يخلق له الأزمات من عدم. بدليل أن الاحتجاجات التي نشبت في الشارع الإيراني الأسبوع الماضي ليست الأولى، فقد اندلعت احتجاجات سابقة في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل أشهر من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وكانت احتجاجات يناير أكثر انتشاراً جغرافياً في مناطق متعددة، وأكثر حدة وعنفاً في تعامل سلطات طهران الأمنية معها.
كان الاقتصاد الإيراني في حاجةٍ ماسّةٍ إلى الخروج من دائرة نقص المداخيل المالية، والخلل في ميزان التجارة الخارجية، والعجز الكبير عن تحديث العمل وتطويره في قطاعات متعدّدة، نتيجة حظر توريد التكنولوجيا، فكانت إيران تعاني انكماشاً اقتصادياً مستمراً منذ سنوات طويلة. وجاء الاتفاق النووي بمثابة "قبلة الحياة"، لإنقاذ ذلك الاقتصاد، بل كانت المفاوضات التجارية والاقتصادية بين إيران والأطراف الغربية تسبق المفاوضات النووية، غير أن خروج واشنطن من الاتفاق النووي أوقف هذا المسار، كما لو كانت إيران بحاجة إلى فترة زمنية أطول، قبل أن تخرج واشنطن ويتعثر تنفيذ الاتفاق.
وهنا، تكشف الفترة الزمنية الفاصلة بين إبرام الاتفاق النووي وانسحاب واشنطن منه مكمن الخلل في السياسة الإيرانية، فخلال ثلاثة أعوام تقريباً من الصفقة النووية، توفرت لإيران عوائد مالية كبيرة من صادرات الطاقة والإفراج عن بعض الأرصدة المالية المجمدة في الولايات المتحدة، والانفتاح الغربي على الاستثمار الصناعي والخدمي في إيران. لكن ما حدث أن معظم العوائد الجديدة المتحصلة نتيجة الاتفاق النووي لم تخصص للداخل، فلم يشعر المواطن الإيراني بأي تحسّن في أوضاعه الحياتية، فقد أنفقت طهران عشرات المليارات في الفترة نفسها على مغامراتها الخارجية، خصوصاً في سورية واليمن.
لذا، يخطئ من يتصور أن مؤامرة أميركية أو أذرعا خارجية تقف وراء التظاهرات التي تشهدها إيران حالياً، فالمواطن الإيراني ضحية للأوضاع الاقتصادية الصعبة، وليس سبباً فيها. وعندما تتكرّر الاحتجاجات ومظاهر الغضب في الشارع، على المسؤولين إدراك أن ثمّة شيئاً خطأ. لكن يبدو أن السلطات الإيرانية لم تفهم بعد حقيقة ومعاني التظاهرات التي تكرّرت عدة مرات في السنوات القليلة الماضية، حيث لا تزال بعض القيادات الإيرانية تتبنى الخطاب التقليدي نفسه الذي يعزو انتشار مظاهر الاحتجاج الشعبي إلى مؤامرات خارجية. بينما يلقي بعضهم المسؤولية على حكومة حسن روحاني. وفي ظل العلاقة الحذرة بين روحاني والمرشد علي خامنئي، يجري استغلال الأزمة لتصفية حسابات داخلية وإعادة ترتيب المواقع والنفوذ في دائرة السلطة.
ووسط هذا التنابذ بين أجنحة السلطة، تتسع دائرة التذمر لتشمل، إضافة إلى المواطنين العاديين، رجال البازار. في إشارة قوية إلى أن الرهان المستمر على مطالبة الإيرانيين بالوحدة والاصطفاف خلف السلطة في مواجهة "الأعداء" الخارجيين صار مخاطرة كبيرة، خصوصا مع انكشاف أن السلطة التي تدعو إلى الاصطفاف والوحدة تعاني هي نفسها من الانقسام والتناحر.