النهر

06 يوليو 2017
ثائر هلال/ سورية
+ الخط -
إلى طالب عبد العزيز


ما أضيقهُ من عالمٍ
هارباً من لحظةٍ سكونيةٍ
أو كلمةٍ مفردةٍ
ينضحُ من حروفِها دمٌ أسودَ،
ما أضيقهُ من تُرابٍ
لا يلمُّ الجثثَ المسبيةُ بالشمس!


يا مَن تركتَ اسمَك وجوادكَ
عند العتبة،
يا مَن تخليتَ عن مدخراتِك للنهرِ،
ترجّل من أساكَ،
ترجّل من أسفارِكَ
بين اللهبِ واللهب،
ترجّل من أماسيكَ الوحيدةَ على السواترِ،
لا تفتح جراحَك القديمةَ
وتندبَ الوقتَ
لا تلمِ الأرصفةَ الأنيقةَ على خلوها
من المارةِ،
الغرقُ صفةُ الأيامِ الهوجاءِ
وصفةُ السائرينَ ذوي العيونِ الزجاجيةِ.
لا ترَ ما يُرى
وتبكي من العتمة.
أيها المجنون،
قلبُك منتفخٌ من الأسئلةِ
ورأسُكَ يدورُ في مكانهِ
بحثاً عن أشباحٍ قُتلوا على الجسرِ،
الأُمنيةُ، طمسوا ملامِحَها
وغسلوا أيديهمُ
ثم صلّوا ركعتين.
واصل نشيدَكَ
حتى وإن بُحّ صوتُكَ
وتبعثرتِ الكلماتُ، مخنوقةً تخرجُ،
تحزُّ الحنجرة.


كان سؤالاً مجنوناً يتجوّلُ في الحاراتِ
المهدمةِ،
وكان شعاعاً مدفوناً
تداعى عليه الركامُ
حتى تبدّى مثل ظلٍّ ممسوسٍ
ببشارة ما يزول وما لا يزول.
واصل نشيدَك.
أنت انفصلتَ عن النهاية
وابتدأت تأكلُ ماضيكَ.
فمن أين يأتي هذا النورُ
وأيُّ مراكبَ بيضاءَ تشعُّ بالأمل؟
أيُّ هواءٍ يجلسُ على الجبلِ
ويُغني للآلهة؟
ومن تراهُ استغفلَ النارَ
وآوى الفرصة؟


واصل نشيدَكَ
-يا أبي -
ولا تقُل:
قبرٌ يتجوّلُ في المدينةِ
هذا النهرُ.


* شاعر من العراق

دلالات
المساهمون