النفوذ الإيراني في العراق: احتمالات التمديد للمالكي نموذجاً

07 مايو 2014
المالكي يعول على طهران في إعادة تعيينه (getty)
+ الخط -
أعادت التسريبات حول زيارة سرية يُقال إن رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، قام بها الى إيران، الجدل حول تأثير النفوذ الإيراني على صنع القرار في العراق الى الواجهة. وأخذت التساؤلات تدور حول إمكان أن تمارس طهران ضغوطاً على الاطراف السياسية المعارضة للمالكي لإعادة تعيينه في ولاية ثالثة، على الرغم من الرفض الواسع الذي يواجهه.
وكانت مصادر مقربة من رئيس الوزراء أكدت أن الأخير وصل الى طهران، الأحد الماضي، في زيارة لم يعلن عنها، برفقة زعيم "التحالف الوطني"، إبراهيم الجعفري، ونائب رئيس الجمهورية، خضير الخزاعي، وذلك لترتيب "الحوار الشيعي" قبل تشكيل الحكومة المقبلة، وفق هذه المصادر.

وعلى الرغم من تصدره الكتل الفائزة في الانتخابات التي جرت في 30 أبريل/نيسان الماضي، يواجه المالكي تحديات كبيرة للظفر بالولاية الثالثة، من أهمها صعوبة تشكيل الحكومة "أغلبية سياسية" من دون اللجوء الى تحالفات مع الفائزين الآخرين، وذلك بسبب عدم تمكنه من إحراز نسبة مريحة في الانتخابات الماضية، وفق النتائج الاولية غير الرسمية، على الرغم من تركيزه السلطة في يده من خلال توليه وزارات الدفاع والداخلية والامن والمالية والقضاء وبعض الهيئات المستقلة، بالاضافة الى رئاسة الوزراء، وتصويره لنفسه على أنه الرجل الاقوى في البلاد، بالتزامن مع حملته العسكرية التي يشنها في المناطق الغربية تحت شعار "الحرب على الارهاب".

المشكلة الحقيقية التي يواجهها رئيس الوزراء المنتهية ولايته، هي كيفية استقطاب الكتل الفائزة الأخرى لتحقيق هدفه في تشكيل الحكومة العتيدة، بعدما حوّل بعض هذه الكتل المنضوية في "التحالف الوطني" إلى خصوم.

ويعول المالكي على الضغط الإيراني على الكتل الفائزة الأخرى، خصوصاً على كتلتي التيار الصدري و"المواطن" (عمار الحكيم)، لانضوائهما تحت قبة "التحالف الوطني"، مستنداً الى ما حققه من منجزات أسهمت بتدعيم الموقف الايراني في العراق والمنطقة. وكان اصرار المالكي على الانسحاب الاميركي الكامل من العراق في 2011، ومواقفه المنسجمة مع طهران تجاه القضايا الاقليمية والدولية، قد عززت القناعة لدى المالكي بأنه رجل ايران الأول في العراق.

وتعززت العلاقة بين طهران والمالكي بتحالف الأخير مع "منظمة بدر"، بزعامة هادي العامري، الحليف البارز لطهران، بعد انسلاخها عن المجلس الأعلى الاسلامي بزعامة عمار الحكيم، وذلك قبيل الانتخابات المحلية العام الماضي. كما تعمقت العلاقة بين طهران والمالكي من خلال تحالف المالكي مع "عصائب أهل الحق"، الفصيل المنشق عن التيار الصدري والمدعوم من قبل طهران، والذي دخل الانتخابات العراقية تحت كتلة "الصادقون".

وحول تأثير القيادة الايرانية في الملف العراقي بعد انتخابات 30 أبريل/نيسان الماضي، يقول سياسي عراقي بارز لـ"العربي الجديد"، إن "جميع القوى السياسية في العراق تعلم أن الايرانيين سيتدخلون بقوة، وخصوصاً أن طهران أدّت دوراً مهماً لمنع أياد علاوي من تسلم الوزارة بعد انتخابات 2010، رغم تقدمه على القوائم الاخرى". ويضيف أن "كل القيادات العراقية، من ضمنها العربية السنية، تدرك أهمية التأثير الايراني في تشكيل الحكومات في العراق بعد 2003، لذلك هي حريصة على اقامة علاقات متوازنة معها".

وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد كشف عن وجود ضغوط ايرانية تمارس عليه في اكثر من مرة، ومنها في مذكراته "الهدف من زيارة أربيل"، التي نشرها في 5 اغسطس/آب 2012. وكشف يومها عن أن قائد الحرس الثوري الايراني، قاسم سليماني، هو الرجل الاقوى في العراق. ولا يخفى الدور الذي قامت به إيران في حصول المالكي على ولاية ثانية في 2010، مع أن الصدر كان آنذاك رافضاً ترشيحه بشدّة، واستمر في رفضه لشهور. كذلك لا يخفى دور إيران في افشال اتفاق الكتل المنافسة للمالكي، ومنها كتلة الصدريين، على سحب الثقة من رئيس الحكومة في ما يعرف بـ"اتفاقية اربيل" في ابريل 2012.
ويرى البعض أن ضغوط ايران على الصدر، كانت السبب الذي دفعه الى إعلان اعتزاله السياسي أكثر من مرة، آخرها في مارس/آذار الماضي، الذي لم يلتزم به بشكل كامل.

مع ذلك، يرى بعض المراقبين أن التأثير الإيراني على الكتل السياسية غير مطلق، ويشيرون إلى أن الجمهورية الاسلامية تفقد نفوذها على حلفائها في بعض المراحل. وبدا النفوذ الايراني غير مؤثر على مقتدى الصدر عندما انضم الأخير الى علاوي، ومسعود البرزاني وقيادات أخرى في محاولة للتصويت على سحب الثقة من المالكي في ابريل 2012. كذلك فشلت طهران في منع الصدريين وجماعة الحكيم من التحالف مع كتل من خارج "التحالف الوطني" لتشكيل حكومات محلية في عدد من المحافظات، من ضمنها العاصمة بغداد، بعد انتخابات مجالس المحافظات العام الماضي، مستبعدين كتلة دولة القانون.

كما أن طهران لن تستطيع ان تفرض المالكي على الأطراف الفائزة الأخرى إذا لم يستطع المالكي الحصول على نسبة مريحة تؤهلة تشكيل الحكومة. فقد أكدت تسريبات حول اجتماعات أجراها قاسم سليماني مع أطراف من التحالف الوطني خلال زيارته السرية للعراق في منتصف مارس الماضي، أن قائد الحرس الثوري الايراني طلب من حلفاء طهران مؤازرة ترشيح المالكي لدورة ثالثة، وذلك ليكمل المالكي حربه على "الارهاب"، بشرط حصوله على نسب عالية في الانتخابات البرلمانية، تفوق المئة صوت.

في الوقت ذاته، تدرك ايران أنه ليس من مصلحتها الإصرار على دعم المالكي للبقاء في السلطة بسبب المعارضة الشديدة التي يواجهها، ليس من قبل أطراف سياسية كبيرة من داخل "التحالف الوطني" وخارجه فحسب، وإنما أيضاً من قبل المرجعية الدينية الشيعية العليا في النجف، والتي تربطها علاقة متوترة مع طهران بسبب الاختلاف على مسائل فقهية، من أهمها نظرية "ولاية الفقيه".

يقول السياسي ومدير المعهد العراقي للتنمية والديمقراطية، غسان العطية، إن "إيران تحت إدارة حسن روحاني، وبعد الانفراج النسبي الذي حققته مع الغرب، ونجاحها في استئناف المحادثات مع الدول العظمى حول برنامجها النووي، تعمل الآن على تحسين صورتها أمام المجتمع الدولي من خلال تغيير سياساتها في المنطقة". ويضيف العطية أن "طهران اصبحت تدرك ان الدفع باتجاه إعادة تعيين المالكي، سيزيد من عزل العرب السنة، الذين يجمعون على رفض ولاية جديدة للمالكي، وهو ما يدفعهم الى رفع السلاح والانضمام الى المتشددين الذي يقاتلون في العراق وسوريا، وبالتالي هذا سيجر العراق الى المنزلق السوري، وهو ليس من مصلحة إيران".