ارتفعت الحرارة في بعض المناطق اللبنانية إلى 41 درجة مئوية نتيجة موجة الحر. ومع تخمّر آلاف الأطنان من النفايات العضوية المُلقاة في العاصمة بيروت، وتقنين الكهرباء، واشتعال الحرائق الحرجية يأمل اللبنانيون أن تنحسر الموجة من دون تسجيل ضحايا.
تختار أم محمد التي تعاني من مرض الربو صعود الدرج إلى السطح بانتظار عودة التيار الكهربائي. تجتمع الجارات هناك لأن الجوّ الحار ورائحة النفايات المترافقين مع انقطاع التيار الكهربائي يجعلان الإقامة في المنازل أمراً لا يُطاق. على السطح، يمنح الهواء والظل أم محمد إمكانية الحديث بعد تناول جرعة من "بخّاخ" الربو. تُحمّل "النواب والحكومة مسؤولية الأوضاع الرهيبة التي نعيشها. فحتى خلال الحرب الأهلية كانت الظروف أفضل!".
أما لينا، وهي موظفة في بيروت، فتعاني من استيقاظ أبنائها خلال الليل بسبب الحر الشديد. تقول: "لا تكفي الساعات القليلة التي يصل فيها التيار الكهربائي لشحن بطاريات أجهزة الطوارئ من إضاءة ومراوح، فأمضي معظم فترات الليل وأنا أحاول إقناع أبنائي بالنوم رغم الحر ورائحة النفايات".
وفي هذا الإطار، تحولت آلاف أطنان النفايات قرب مرفأ بيروت وفي الضواحي القريبة من المساحات العامة إلى ما يشبه غرف الإعدام بالغاز نتيجة الروائح المُنبعثة منها. وقد وجه ناشطون دعوات للتظاهر يوم السبت المقبل، للضغط على الحكومة التي تبدو عاجزة حتى اللحظة عن حلّ مشكلة تراكم النفايات بعد انتهاء عقد شركة "سوكلين" لجمع ومعالجة النفايات في بيروت وجبل لبنان، وإغلاق مطمر الناعمة جنوبي بيروت.
ويحذّر الناشطون من عودة تلال النفايات للتراكم في مستوعبات الشوارع وبجوارها، بعد امتلاء مواقف السيارات وبعض ساحات المرفأ بالنفايات التي نُقلت إليها، بقرار من البلدية، خلال الأيام الماضية كحل جزئي للأزمة.
وإلى أزمة النفايات، فاقمت زيادة ساعات التقنين الكهربائي في مختلف المناطق من أزمة الحر، مع العطل الذي أصاب أحد معامل شركة كهرباء لبنان في منطقة الزهراني، جنوب لبنان. وهو ما حرم مناطق الجنوب وبيروت من ساعات طويلة من التيار الكهربائي ومعه تشغيل أجهزة التكييف.
وقد دفعت كثرة الأعطال مجموعة مواطنين إلى اقتحام أحد مراكز التحويل في منطقة عرمون جنوبي بيروت، وتهديد العامل بالسلاح لإعادة التيار الكهربائي إلى حيّهم. وأدانت "مؤسسة كهرباء لبنان "الهجوم" في بيان أصدرته، كما أعلنت أن ارتفاع الحرارة والرطوبة، تسبّبا بانفصال معظم مجموعات الإنتاج عن الشبكة، وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي عن معظم المناطق اللبنانية.
أما في المناطق الجبلية، فقد سجلت المديرية العامة لجهاز الدفاع المدني اندلاع أكثر من مائة حريق، بعضها كبير، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة واشتعال الأعشاب اليابسة. وعملت فرق الدفاع المدني على مكافحتها لمنع وصولها إلى منازل المواطنين.
وتسببت موجة الحر التي تضرب لبنان بأضرار في القطاع الزراعي والحيواني خصوصا الدواجن. فقد أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى نفوق آلاف طيور الدجاج في عدة مزارع من منطقة مرجعيون (جنوب)، ما أصاب أصحابها بخسائر فادحة.
هذا وسجّلت درجات الحرارة ارتفاعاً كبيراً وصل في حده الأقصى إلى 41 درجة نهاراً في منطقة الهرمل القريبة من حدود لبنان الشرقية مع سورية، والتي ترتفع حوالي 800 متر عن سطح البحر، وأدناها 35 درجة في المدن الساحلية كصيدا وبيروت وطرابلس، بحسب إحصاءات مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي.
ويشير رئيس المصلحة، المهندس مارك وهيبي، لـ "العربي الجديد" إلى "استمرار الموجة حتى الأسبوع المُقبل". فيما يردّ تفاوت ارتفاع درجات الحرارة بين المناطق الساحلية والجبلية إلى "تبريد البحر المتوسط لحرارة الكتل الهوائية التي وصلت إلى المدن الساحلية من شبه الجزيرة العربية. أما المناطق الداخلية (الجبلية) فبقيت الحرارة فيها على ارتفاعها لبُعدها عن البحر". وهي ظاهرة غير مألوفة، مع اعتياد سكان المدن الساحلية على زيارة المناطق الجبلية خلال فصل الصيف هرباً من الرطوبة التي تسجل هذه الأيام نسبة 90 في المائة.
ويحذّر وهيبي من مخاطر التعرض لأشعة الشمس من دون استخدام المراهم الواقية "لا سيما مع توجه آلاف اللبنانيين إلى الشواطئ هرباً من الحرارة". كما يؤكد وهيبي "ضرورة متابعة الأطفال الصغار وتزويدهم بالسوائل بشكل دائم خوفاً من تعرضهم لحالات جفاف نتيجة الحرارة المرتفعة".
تبقى الإشارة إلى أنّ لبنان لم يسجل، حتى اليوم، أي حالة وفاة نتيجة موجة الحر الحالية أو الحرائق المرافقة لها.
إقرأ أيضاً: تجنّب أشعة الشمس وأكثِر شرب المياه لمواجهة الحرّ