النظام المصري يجمع التيارات السياسية في السجون

17 أكتوبر 2019
اقترب أبوالفتوح من تولي رئاسة مصر عام 2012(فرانس برس)
+ الخط -
احتفل اثنان من أشهر السياسيين والمناضلين العماليين في مصر، أول من أمس الثلاثاء، بيوم ميلادهما في السجن، وهما السياسي المصري البارز رئيس حزب "مصر القوية"، المرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، والمناضل العمالي والقيادي اليساري البارز كمال خليل.

أبو الفتوح الذي اقترب بقوة من تولي رئاسة مصر في انتخابات 2012، يقبع في زنزانة، حيث يعاني العديد من الأمراض. وفيما تحذر أسرته بشكل مستمر من خطر فقدان حياته نتيجة إصابته المتكررة بذبحات مفاجئة، إلا أنّ أحداً لم يلتفت لهذه التحذيرات.

وُلد أبو الفتوح في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 1951، والتحق بكلية الطب جامعة القاهرة، حيث أصبح أحد أشهر الطلاب فيها نتيجة عمله السياسي، وانضمامه لجماعة "الإخوان المسلمين"، حتى أصبح رئيساً لاتحاد الطلبة. وتكرر اعتقال أبو الفتوح خلال سنوات عمله السياسي، خصوصاً أنه ابن تنظيم إسلامي، وله نشاط على الأرض. وإحدى المرات التي اعتقل فيها كانت خلال قرارات سبتمبر/ أيلول 1981 التي كان قد أصدرها الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، وقضت باعتقال جميع القيادات السياسية والدينية والطلابية وإغلاق كل الصحف غير الحكومية. وقد ظلّ أبو الفتوح وقتها محبوساً لمدة 5 سنوات.

لم يغب أبو الفتوح عن نشاطه النقابي، إذ أصبح عام 1988 الأمين العام لنقابة أطباء مصر لمدة 4 سنوات انتهت عام 1992، ثمّ تولى بعد هذا العام منصب الأمين العام المساعد وأمين صندوق اتحاد الأطباء حتى عام 2004. ومنذ مارس/ آذار 2004 وإلى الآن، يشغل أبو الفتوح منصب الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب.

وفي ما يتعلّق بنشاطه السياسي داخل جماعة "الإخوان المسلمين"، يعتبر أبو الفتوح أحد الأعمدة الرئيسية في مرحلة ما يسميها سياسيون "إعادة الإحياء"، بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر. وفي فبراير/ شباط 1987 وحتى استقالته في ديسمبر/ كانون الأول 2009، كان أبو الفتوح عضواً في مكتب إرشاد جماعة "الإخوان"، وهي أعلى سلطة قيادية داخل الجماعة.

وبدأت الأزمات تتصاعد بينه وبين "الإخوان المسلمين" بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وتحديداً في شهر إبريل/ نيسان من ذلك العام، عندما أعلنت الجماعة وقتها عدم سعيها لخوض الانتخابات الرئاسية، بينما قرر أبو الفتوح خوض هذا السباق، ما أدى في نهاية المطاف إلى إعلان انفصاله من الناحيتين الإدارية والتنظيمية عن "الإخوان".

وبعد قرار أبو الفتوح في ذلك الوقت خوض انتخابات الرئاسة، بدأ في تأسيس حزبه السياسي الذي خاض انتخابات 2012 باسمه، وهو حزب "مصر القوية"، الذي جمع عدداً كبيراً من شباب التيار الإسلامي إلى جانب شباب من اليسار والتيارات السياسية المختلفة. وتعرّض أبو الفتوح لخسارة "غير متوقعة" في انتخابات رئاسة 2012، بعدما حلّ رابعاً بعد مرشح "الإخوان" محمد مرسي، والمرشحين أحمد شفيق وحمدين صباحي، إذ حصل على ما يصل إلى 4 ملايين صوت، لكن الرقم لم يكن كافياً لدخوله قصر الرئاسة.

وبعد سنوات طويلة من العمل السياسي، وموقفه المناهض لنظام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وحكمه، تعرّض أبو الفتوح للاعتقال في فبراير/ شباط 2018، بعد أيام من عودته من العاصمة البريطانية لندن، وظهوره على شاشة قناة "الجزيرة" مهاجماً سياسات النظام المصري.

ليلتها، ألقت أجهزة الأمن القبض على أبو الفتوح إلى جانب 6 من أعضاء المكتب السياسي لحزب "مصر القوية"، وهم: أحمد عبد الجواد، أحمد سالم، محمد عثمان، عبد الرحمن هريدي، أحمد إمام، وتامر جيلاني. وقد أطلقت قوات الأمن سراح هؤلاء جميعاً في وقت لاحق، وأبقت على أبو الفتوح معتقلاً.

أمّا المهندس كمال خليل، القيادي العمالي البارز، وصاحب التاريخ النضالي الطويل، فهو ناشط عمالي يساري في العقد السابع من عمره، خريج كلية الهندسة ويعمل كمهندس استشاري، كما أنه مؤسس ومدير مركز الدراسات الاشتراكية.

كان خليل ناشطاً في صفوف اليسار منذ سبعينيات القرن الماضي، وانضم للجنة الوطنية للطلبة عام 1972. تعرض للاعتقال أكثر من 20 مرة خلال مسيرته النضالية، آخرها كان في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي، ولكنه لم يتوقف يوماً عن المطالبة بحقوق العمال والمشاركة في الصفوف الأمامية على الرغم من تقدمه في السن.

شارك كمال خليل في العديد من التظاهرات خلال عهد الرئيس الأسبق أنور السادات، أشهرها انتفاضة الخبز عام 1977، والتي ألقي القبض عليه خلالها وكان المتهم السادس فيها. كما قاد العديد من التظاهرات المعارضة للاحتلال الإسرائيلي، وكذلك التظاهرات المطالبة بحقوق العمال، خصوصاً عمال المحلة الكبرى خلال فترة حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك. وقد سعى خلال مسيرته لأن تكون للعمال نقابات مستقلة تعبّر عنهم.

انضم خليل للعديد من التنظيمات الاشتراكية على مدى تاريخه، مثل "الاشتراكيون الثوريون"، وحركة "كفاية"، وحزب "العمال الديمقراطي" الذي أسسه. كما أنه عضو بمجموعة المهندسين الديمقراطيين. وقد أصدر كتاباً من تأليفه عن مسيرته وحياته بعد ثورة يناير 2011 بعنوان "حكايات عن زمن فات".


وفي عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، شارك في التظاهرات الرافضة لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية والتي بموجبها تم تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة في يونيو/ حزيران 2017. وتمّ إلقاء القبض عليه خلال تلك التظاهرات، ووجهت إليه الاتهامات بنشر أخبار كاذبة وإهانة رئس الجمهورية والتحريض على التظاهر بدون تصريح، وتمّ إخلاء سبيله بعد ذلك بكفالة قدرها 2000 جنيه.

ثمّ ألقي القبض عليه أخيراً في 16 سبتمبر الماضي، ضمن حملة استهدفت آلاف الشباب والكهول والنشطاء السياسيين والأكاديميين والمحامين والصحافيين، بالتزامن مع الحملة الأمنية الشرسة التي صاحبت احتجاجات سبتمبر الماضي.

وبعد يوم من القبض عليه من منزله، ظهر بنيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 488 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، ووجهت له النيابة اتهامات بنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة محظورة، وقررت حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، يتم تجديدها منذ ذلك الوقت.

وفي إطار الهجمة الأمنية غير المسبوقة أخيراً، قامت السلطات القضائية المصرية بحبس آلاف الأشخاص على خلفية تظاهرات 20 سبتمبر الماضي، بالإضافة لنشطاء ومعارضين سياسيين وحقوقيين، وذلك بعد القبض عليهم والتحقيق معهم على ذمة 3 قضايا؛ قضيتان جديدتان هما 1338 لسنة 2019 أمن دولة والمحبوس على ذمتها مئات الأشخاص المقبوض عليهم على خلفية تظاهرات سبتمبر، والقضية 1356 لسنة 2019 أمن دولة والمحبوس على ذمتها الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح، والمحامي الحقوقي محمد الباقر. بالإضافة لإعادة فتح القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة، المحبوس على ذمتها كمال خليل وعدد من النشطاء والصحافيين والمحامين، وعلى رأسهم المحامية ماهينور المصري، والأكاديميان المعارضان حسن نافعة وحازم حسني، والحزبي الناصري عبد الناصر إسماعيل، والكاتب الصحافي رئيس حزب "الدستور" سابقاً خالد داوود، والمصور الصحافي إسلام مصدق، وانضمت إليهم أخيراً الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح.

وفقاً لآخر رصد قامت به غرفة الطوارئ بـ"المفوضية المصرية للحقوق والحريات" (منظمة مجتمع مدني مصرية)، بلغ عدد المتهمين في القضية 1338 حصر أمن دولة حتى الثلاثاء في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، 3332 متهماً منذ 20 سبتمبر الماضي.

وكان عدد من محافظات مصر قد شهد، مساء الجمعة في 20 سبتمبر الماضي، تجمعات عفوية من مئات المواطنين، كانت تطالب أغلبها برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الحكم وتندّد بسياساته، فضلاً عن ترديدها شعارات ثورة يناير مثل: "عيش... حرية... عدالة اجتماعية"، "الشعب يريد إسقاط النظام"، وذلك على أثر دعوة المقاول والفنان المصري محمد علي، المتعاون سابقاً مع الجيش في أعمال إنشاء مختلفة، المصريين إلى التظاهر ضدّ السيسي والمطالبة برحيله، وذلك بعد نشره مقاطع فيديو ينتقد فيها قيام الأخير ببناء قصور وفنادق فارهة. وهو ما لم ينكره الرئيس في مؤتمر الشباب يوم 14 سبتمبر الماضي في رده على هذه الانتقادات، علماً أنّ ذلك يأتي في ظلّ سياسات اقتصادية تقشفية ينتهجها النظام تحت شعار الإصلاح الاقتصادي.

وفي ارتباك واضح، صعّدت السلطات المصرية من استعمالها لأدوات البطش المختلفة بهدف حصار هذا الحراك وإجهاض إمكانية توسعه. فبعد تظاهر المئات في محافظات عدة، مثل السويس والإسكندرية والمحلة ودمياط ومرسى مطروح، بالإضافة إلى القاهرة، التي شهدت تجمعات منددة في عدد من المناطق، أبرزها على أطراف ميدان التحرير، وشبرا الخيمة، لجأت الأجهزة الأمنية إلى استعمال القوة المفرطة تجاهها. إذ ألقت القبض وبشكل عشوائي على عشرات المتظاهرين، واعتدت عليهم بالضرب، وقبضت على مصوري التظاهرات، واستعملت الخرطوش والغاز المسيل للدموع لتفريق التجمعات.

وتخطت أعداد المقبوض عليهم جراء تظاهرات سبتمبر أو جراء حملات الاعتقال العشوائية أو المداهمات الممنهجة أخيراً، أكثر من ثلاثة آلاف مواطن، وفقاً لمتابعات المنظمات الحقوقية من محافظات مختلفة. ولا تزال التحقيقات مستمرة في عدد من النيابات، على رأسها نيابة أمن الدولة ونيابة زينهم، والتي كانت قد بدأت التحقيق مع المعتقلين منذ مساء الأحد 22 سبتمبر الماضي، وقامت بوضعهم على ذمة القضية 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة، واتهمتهم بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لترويج أفكار تلك الجماعة، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، والانضمام لمجموعة لتنظيم تظاهرة من دون الحصول على إخطار من الجهات المختصة.