النظام السوري يطارد شباب السويداء: حاجة ملحة للتجنيد

02 نوفمبر 2014
الجيش يُعاني نقصاً بأعداد قواته (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

صعّدت أجهزة الأمن في محافظة السويداء جنوبي سورية، مطاردتها المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياط في جيش النظام، وداهمت أماكن تواجدهم، في موازاة حملة "ترغيب" تحت لافتة "حماية الوطن" من قِبل شخصيات محلية، في محاولة لدفع الشباب إلى الالتحاق بالجيش تعويضاً للنقص في أعداد قواته.

ويكشف مصدر مطلع من قرية عريقة في ريف السويداء لـ "العربي الجديد"، بأن قوة من الأمن والشرطة العسكرية اعتقلت يوم الثلاثاء الماضي شابين من المتخلّفين عن الخدمة، واصطدمت مع بعض شباب القرية، بينما جالت الدوريات في الشوارع بحثاً عن المطلوبين، ما أدى الى خلق حالة من الغضب والخوف بين الأهالي، في ظل وجود عشرات المطلوبين للخدمة الإلزامية، أو للاحتياط، أو من الفارين، الذين عادوا إلى منازلهم بطريقة أو أخرى، ولم يلتحقوا ثانية بالقطع العسكرية التي كانوا يخدمون فيها.

وشهدت بلدة المزرعة في ريف السويداء حالة مشابهة، بعد مداهمة الشرطة العسكرية يوم السبت الماضي منزل أحد المطلوبين احتياطاً للخدمة الإلزامية، فرفض والده تسليمه، وعلى إثر ذلك احتشد عدد من المشايخ في منزل المطلوب، وحذروا في رسالة لهم أجهزة النظام من مداهمة أو ملاحقة أي مطلوب للخدمة.

وجاء في رسالة المشايخ التحذيرية التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي "لا تحاولوا مداهمة المنازل لتعقب المتخلّفين عن السَوق والاحتياط والخدمة العسكرية بجيش الموت والقتل، على جميع الأجهزة الأمنية الحذر والحذر ثم الحذر فصبرنا له حدود، لا للسوق إلى الانتحار والموت أو القتل والتعفيش". (التعفيش هو دخول الشبيحة إلى البيوت وسرقة محتوياتها).

ولم تقتصر المداهمات على قريتي عريقة والمزرعة، إذ سبق أن داهمت دورية مشتركة من الشرطة العسكرية والأمن، أماكن سكن وعيادات أطباء أسنان وجراحة عامة مطلوبين للخدمة العسكرية في مدينة شهبا، أمام انظار المراجعين والمارة بالقرب من الساحة العامة، لكن مهمتهم لم تتكلل بالنجاح، إذ تمكّن الأطباء من الفرار.

ويثير اعتقال المطلوبين للخدمة في السويداء، حالة من الاستنكار والغضب بين السكان، وصلت في مرات سابقة إلى التهديد بالسلاح، وذلك في محافظة يسيطر عليها النظام وتسكنها أغلبية من الموحّدين الدروز، ولم تشهد مواجهات عسكرية تذكر.

وكانت أجهزة الأمن شنّت أواخر عام 2013، حملة اعتقالات للمتخلّفين عن الخدمة العسكرية من المحافظة، واحتجزت المعتقلين الذين بلغ عددهم 470 شاباً، في ثكنة "سدّ العيّن" العسكرية في ظروف سيئة من البرد والجوع، من أجل زجّهم في المعارك، غير أن مجموعة من "المشايخ" المسلّحين، دخلت إلى الثكنة المذكورة وحررت المعتقلين، وحالت دون إرسالهم إلى الجبهات.

ويوضح مصدر مطلّع، فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، لـ "العربي الجديد"، أن "عدد المطلوبين للخدمة الاجبارية في السويداء يبلغ نحو 13 ألف شاب، والمطلوبين للاحتياط 4 آلاف، أغلبهم من الموظفين في مؤسسات الدولة، ما اضطرهم إلى ترك وظائفهم خوفاً من الاعتقال، على الرغم من أن الوظيفة بالنسبة للغالبية منهم، هي مصدر رزقهم الوحيد".

واللافت في الاعتقالات الأخيرة، كما يلاحظ المصدر، أنها تجري من خلال مداهمة المنازل، ولم توفّر حتى الموالين للنظام، كما حدث في مدينة صلخد، لطبيب من عائلة معروفة بموالاتها للنظام، في حين كانت حملات الاعتقال السابقة تتم من خلال نصب الحواجز بين القرى، وفي مداخل مدينة السويداء، ما يشير إلى حاجة النظام الماسّة إلى كل عنصر، لتعويض النقص الحاصل على الجبهات، وبمختلف التخصصات، ولا سيما الكوادر الطبية.

وفي موازاة حملة الاعتقالات، جال عدد من المسؤولين المحليين في "حزب البعث"، على بعض قرى المحافظة، وعقدوا لقاءات شعبية لدفع الشباب على الالتحاق بالخدمة العسكرية تحت دعوة "الدفاع عن الوطن".

ونقل أحد الحاضرين لـ "العربي الجديد" بأن "المُحاضر وبعد مقدمة عن الوطن والوطنية، ومحور الممانعة والمقاومة، وتحرير فلسطين والتصدي للمخططات الصهيونية، بدأ في تسعير أجور التطوع في الوحدات المقاتلة وتعداد شروطها وكيفية الالتحاق بها، فمن يتطوع للخدمة داخل المحافظة أجره الشهري 35 ألف ليرة، ومن يخدم خارج المحافظة يصل أجره إلى 70 ألف ليرة. وبعد أن انتهى من تقديم عروضه فتح باب الأسئلة، فسأل أحد الحاضرين ساخراً عن تسعيرة من يستشهد، وإن كانت تتضمن توزيع ماعز على أسرته كما حدث في مرات سابقة"، ما يشير إلى حالة تهكم بين المواطنين من عروض النظام.

كما استنكر معارضون من محافظة السويداء، دعوة شبيلي زيد الأطرش، وهو أحد الزعماء التقليديين في المنطقة، في بيان حمل توقيعه، أبناء الجبل إلى "اليقظة والسهر للحفاظ على مؤسسة الجيش".

وطلب من قيادة الدفاع الوطني التابعة للنظام "إحداث غرفة عمليات مشتركة لكافة الفصائل المسلّحة في المحافظة"، بهدف "توحيد الكلمة والذود عن العرض والأرض تحت مسمى الوطن"، الأمر الذي اعتبره المعارضون "دعوة تصب في خدمة النظام القاتل، وتحسم موقف الأطرش المتذبذب بين المعارضة والموالاة".

وكانت تسريبات صحافية تحدثت عن أن النظام حدّد أخيراً السن القانونية للمطلوبين للخدمة الاحتياطية بين مواليد 1973 حتى مواليد 1991، وأن الموظف المتخلّف سيُعاقب بالفصل من وظيفته، وغير الموظف بغرامة مالية والحبس لخمس سنوات، وفي حال دفع الشخص بدلاً نقدياً أثناء خدمة العلم يُعفى من الخدمة الاحتياطية.

وبدأ النظام في التنفيذ من خلال الطلب من مؤسسات الدولة رفع قوائم بأسماء العاملين الذكور، مرفقة ببيانات دفاتر خدمتهم العسكرية، وأن طلب الاحتياط سيكون بحسب حاجة الوحدات والتشكيلات من بعض الاختصاصات، نتيجة النقص الحاصل بسبب الظروف الراهنة وخسارتها لعدد من "الشهداء" والإصابات.

وربطت التسريبات بين حملة النظام للقبض على المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية في السويداء وحماه ودمشق وريفها وغيرها من المدن التي يسيطر عليها، وإغلاق الحدود بوجه الشباب السوريين من قِبل السلطات اللبنانية، وقالت إن هذا الإجراء جرى بالتنسيق مع "حزب الله"، تحت ادعاء تخفيف ضغط اللاجئين عن لبنان، بينما الهدف الحقيقي هو الحد من تسرّب الشباب إلى لبنان هرباً من الخدمة في الجيش.

وبحسب تقرير صادر عن القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في وقت سابق من العام الحالي، فإن "عدد مذكرات البحث لدى جهاز الأمن العسكري التابع للنظام بحق عسكريين منشقّين أو متخلفين عن الخدمة أو فارين، بلغت 189 ألف مذكرة بحث، أي أن أكثر من نصف العسكريين النظاميين والاحتياط والجدد في الجيش السوري النظامي، هم مطلوبون للأجهزة الأمنية وغير ملتحقين بمهامهم العسكرية".

وقدّر التقرير "عدد قتلى الجيش السوري النظامي بنحو 65 ألفاً، ومثلهم من القتلى من رجال الأمن والاستخبارات والميليشيات غير النظامية التابعة للنظام"، بينما قدّر ناشطون من السويداء عدد القتلى من أبناء المحافظة ممن يؤدون الخدمة العسكرية في صفوف الجيش بنحو ألف عسكري، وعدد المفقودين بين مدني وعسكري بنحو ألفي شخص.

ويرى ناشط معارض من محافظة السويداء، بأن قضية المطلوبين للخدمة العسكرية، ستشكل حداً فاصلاً في العلاقة المتأرجحة بين أبناء الجبل والنظام، والتي شهدت حالات من المد والجزر، وكانت سبباً للتوتر بين الطرفين منذ بدء الأحداث في سورية، ومرشحة للمزيد من التصعيد.

المساهمون