النظام السوري يضغط لعودة "دولة الحد الأدنى" إلى السويداء

07 سبتمبر 2015
فاقم اغتيال الشيخ وحيد البلعوس أزمات السويداء(فرانس برس)
+ الخط -
يحاول النظام السوري احتواء لهيب الانتفاضة التي تشهدها محافظة السويداء، جنوب البلاد، عقب اغتيال قائد مشايخ الكرامة، الشيخ وحيد البلعوس، وما تبع ذلك من إعلان "مشايخ الكرامة" من الموحدين الدروز أن "منطقة جبل العرب محررة بالكامل من سلطة النظام".
محاولات شملت، أمس الأحد، الادعاء بأن السلطات السورية ألقت القبض على شخص يُدعى وافد أبو طرابة، اعترف بتنفيذ تفجير السويداء الذي أفضى إلى مقتل البلعوس وعشرات آخرين، وبالمشاركة في الحوادث التي تلته، حسب ما أوردت وكالة الأنباء السورية، فيما زعم التلفزيون الرسمي السوري أن أبو طرابة ينتمي إلى جبهة النصرة. كما ذكرت "سانا"، نقلاً عن رئيس اللجنة الأمنية في السويداء، أن "اعترافات أبو طرابة تمت أمام عدد من مشايخ عقل طائفة الموحدين الدروز".
وهو ما سارع ناشطون للرد عليه في تصريحات لـ"العربي الجديد"، موضحين أن "إعلان النظام السوري إلقاء القبض على المدعو وافد ‏أبو ترابة، واعترافه بمسؤوليته عن عملية اغتيال ‏الشيخ البلعوس، لا يعدو أن يكون محاولة من النظام لنفي مسؤوليته عن عملية ‏‏الاغتيال". وأوضح الناشطون أنّ الشخص المذكور "كان يقيم في مدينة السويداء منذ ثلاثة أشهر بعد عودته ‏من تركيا، والتي جاء إليها بعد قتاله إلى ‏جانب الملازم المنشق خلدون زين الدين، في ‏معارك الجبل ضد قوات النظام". كما أشار مصدر إلى أنّ "أهالي السويداء يعرفون جيداً هذا الشخص، والذي تربطه بلا ‏شك علاقات باستخبارات النظام السوري، ‏سمحت له بالإقامة بشكل طبيعي في مدينة ‏السويداء، والتي كان يسيطر عليها النظام، بعد مشاركته في القتال ضده، في ريف ‏‏السويداء ودرعا، قبل أن يشارك أخيراً منذ يومين، في إعلان تأسيس مجلس عسكري ‏وهمي، في محاولة للركوب على حراك أهل ‏السويداء ضد النظام السوري"، على حد قول المصدر.

اقرأ أيضاً: وحيد البلعوس... حافظ كرامة السويداء في وجه النظام السوري 

وتؤكد معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" أنّ النظام يضغط على مشايخ عقل الطائفة الدرزية المحسوبين عليه من أجل العودة لإدارة مؤسسات الدولة ولو بشكل شكلي، بعد أن كان تجمع "رجال الكرامة" قد أجبر، عقب اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، النظام السوري على الانسحاب خلال 24 ساعة من المؤسسات الحكومية، ولا سيما الأمنية منها وأقسام الشرطة، والأفران، على خلفية احتجاجات مطلبية تزامنت مع اغتيال الشيخ وحيد البلعوس الذي كان يحمي تلك الاحتجاجات.
وكانت قد ظهرت أيضاً مجموعة من التجمعات المناهضة لسياسة النظام التي أعلنت حماية تلك المؤسسات، والحفاظ عليها كونها ملكية عامة للشعب وليس للنظام. وأهم هذه التجمعات "الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني بالسويداء"، وهي تجمع لشخصيات عامة ومؤثرة من الوجهاء والمثقفين، "تجمع القوى الوطنية في السويداء"، ويضم المنشقين عن التنظيمات والأحزاب، بسبب انحيازهم للثورة وبعض المعتقلين السابقين، بالإضافة إلى تجمع رجال الكرامة. وقد أعلنت جميعها استعدادها لحماية وإدارة تلك المؤسسات من خلال بيانات صدرت، لكن البعض يذهب إلى حد وصفها بالانفعالية، وخصوصاً أنها جاءت على خلفية حادثة الاغتيال.
ولا يُستبعد إمكانية أن ينجح النظام في مسعاه. ويبدو أن عدم وجود البديل القادر على تأمين تكاليف إدارة المؤسسات الحكومية، ولا سيما رواتب الموظفين، هو المانع الأكبر أمام التجمعات المناهضة للنظام في طرد النظام نهائياً من مؤسسات الدولة في محافظة السويداء، ولا سيما أن معظم سكان المحافظة هم من الطبقة الفقيرة، والتي تعيش على راتب الوظيفة.
على الرغم من ذلك، فإنه كانت قد ظهرت خلال الأشهر الماضية بوادر انهيار "دولة الحدّ الأدنى"، التي أدار من خلالها النظام السوري المحافظة في السنوات الأربع الماضية، والتي لم تخرج عن إطار "اللعب على وتر الأقليات".
ولم يتردد أهالي المحافظة في القول سابقاً إنهم يشعرون بأن الدولة تخلّت عنهم أمنياً، وخصوصاً عقب محاولات النظام سحب السلاح الثقيل من المحافظة إبان المعارك التي شهدها مطار الثعلة العسكري، فضلاً عن سحبه الآثار من المتحف وكميات كبيرة من النقد الأجنبي والحبوب، بالإضافة إلى تكرار النظام دعوته أبناء المحافظة للمحافظة عليه.
وعلى مدى السنوات الماضية لم تشهد المحافظة أعمالاً عسكرية كمثيلاتها من المحافظات السورية، على الرغم من انخراط الكثير من أبنائها في مختلف فعاليات الحراك المعارض. ويكاد لا يخلو طيف من أطياف المعارضة السورية السياسية من أبنائها، ويتواجد عدد منهم عسكرياً، وخصوصاً في درعا. كما سقط منهم قتلى في المعتقلات، في وقتٍ عملت فيه القيادات المحلية في المحافظة طوال السنوات الماضية، على تحييد المنطقة عن المواجهات العسكرية، سواء كان مع الفصائل المسلحة المعارضة المحيطة فيها، أو مع النظام من جهة أخرى. ووسط كل هذا تستضيف المحافظة مئات آلاف النازحين من مختلف المحافظات السورية.
وقد عمد النظام منذ بداية الأحداث إلى تجنّب أي صدام مع أهالي السويداء، فحيّد أجهزة الأمن عن واجهة قمع التظاهرات، مجنّداً عدداً من أبناء المحافظة لقمعها. كما انسحب جهاز الأمن الداخلي "الشرطة" عن القيام بواجباته بحفظ الأمن، فلم يعد يتدخل في حلّ الخلافات أو ملاحقة المطلوبين قضائياً.
وقال أحد عناصر الشرطة في المحافظة، رفض الكشف عن اسمه لـ "العربي الجديد"، إنه "منذ سنوات جاءتنا تعليمات من القيادة في دمشق، بعدم التعاطي مع الناس، وتجنّب التصادم معهم".
وفي موازاة ذلك، كانت مؤسسات الدولة الخدمية تستمرّ في القيام بعملها في المحافظة، بالحدّ الأدنى. الأمر الذي أعاده مصدر مطلع، طلب عدم ذكر اسمه، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، إلى "تخفيض الحكومة في دمشق للميزانيات، ما انعكس سلباً على المشاريع الخدمية الجديدة في السويداء. كما أدى التقنين في صرف الميزانيات إلى التأثير على أعمال الصيانة، وبالكاد تتم صيانة البنية التحتية القديمة. ولا تتجاوز ميزانيات كثير من البلديات مئات آلاف الليرات، ما جعلهم يُحمّلون المواطنين التكلفة الأكبر بتخديم مناطقهم، ضمن ما يُسمّى العمل الأهلي". وأضاف المصدر أن "هذا الواقع المتردي للخدمات، يزيد تذمّر الناس، حتى بدأوا يشعرون بعدم حاجتهم لهذه المؤسسات".
وشمل تدهور الخدمات انقطاع الكهرباء لأكثر من 16 ساعة يومياً، إلى جانب شحّ المياه الشديد، التي تتوفّر مرة كل 20 يوماً ولبضع ساعات فقط، بالإضافة إلى شحّ المحروقات من بنزين ومازوت.
من جهته، يقول زياد، وهو ناشط معارض من السويداء، لـ "العربي الجديد"، إن "من ينظر إلى مؤسسات الدولة في السويداء، يعتقد أن الأوضاع طبيعية، وأن كل شيء ما زال على حاله كما كان قبل عام 2011. لكن من يدخل المؤسسات سيرى تفشي الفساد والسرقات العلنية وانهيار هيبة القانون والدولة، فكل شيء مباح، فالموظف يقول لك: نريد أن نعيش والتاجر كذلك. لقد أصبح الفساد حلقة غير معروف بدايتها من نهايتها". ويعتبر زياد أن "عملية الإفساد الممنهج منذ عقود، جعلت المجتمع يتطبّع مع فساد الدولة".
ويلفت زياد إلى أن "مؤسسات الخدمات والمالية تلاحق المواطنين أولا بأول لتحصيل الفواتير والضرائب والغرامات المالية، متناسين حتى المهل القانونية، لتحصيل أكبر مبالغ ممكنة، في وقت يتذمّر فيه المواطنون من ارتفاع الفواتير وعدم دقة التكليف المالي الذي يتم تحصيله منهم".
ولم تكن مؤسسة القضاء في المحافظة بمنأى عن واقعها المتردي في كل البلاد، فالمؤسسة التي خبرها السوريون بفسادها، يرون وجهها الفاسد بشكل جلي. ويقول معتز، وهو محامٍ من السويداء، لـ "العربي الجديد": "للأسف اليوم أصبح كل شيء على المكشوف، ولكل قضية سعر معروف، ويبقى للنفوذ الأمني والمالي اليد العليا في القضاء". ويضيف أن "من لا يدفع سينتظر طويلا على أبواب المحاكم".
ووفقاً لمعتز، "أصبح المحامون أيضاً يسألون موكليهم قبل أن يعلموا تفاصيل دعواهم إن كانوا قادرين على الدفع أم لا، كي يحددوا طريقة تعاملهم مع الدعوى، فاليوم المحامي لا مصلحة له أن يأخذ دعوى ستستغرق سنوات في المحاكم، في حين أنه يستطيع أن يفصلها في أسابيع قليلة بوجود المال".
ويلفت معتز إلى أن "هناك العديد من القضايا التي فصل فيها القضاء أو هناك أشخاص مطلوبون فيها، إلا أنه لا يمكن تنفيذ أحكامها أو جلب المطلوبين فيها، جراء أسباب ترتبط بالوضع الأمني والمحسوبيات والولاءات".
المساهمون