النظام السوري يرسم حدود التقسيم

01 سبتمبر 2016
أفرغ النظام داريا من سكانها (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع خطوات النظام السوري في اتجاه تفريغ مناطق بالقرب من العاصمة دمشق وفي مدينة حمص من سكانها، وهو ما يضعه مراقبون في سياق سيره بمشروع تقسيمي، غايته الوصول إلى "سورية المفيدة" التي بدأت وسائل إعلام النظام بالترويج لها منذ أكثر من عام، إثر الهزائم التي تلقتها قواته والمليشيات المتحالفة معها في شمال سورية واستحالة العودة إليها. في المقابل، تحاول المعارضة المسلحة إفشال مشروع نظام بشار الأسد من خلال التوغّل أكثر في وسط سورية، فيما تؤكد المعارضة السياسية أن الأمم المتحدة والدول الكبرى في العالم "لم تفعل شيئاً لإنهاء التهجير القسري" في البلاد. وأفرغ نظام الأسد قبل أيام مدينة داريا جنوب غرب دمشق من سكانها بشكل كامل، إثر اتفاق وقّعه مع فصائل معارضة مسلحة دافعت عن المدينة طيلة أربع سنوات من الحصار كبّدت خلالها قوات النظام والمليشيات الموالية له خسائر فادحة، ولكنها وجدت نفسها مضطرة أخيراً إلى توقيع اتفاق قضى بخروج المقاتلين وعائلاتهم إلى الشمال السوري، وتوزيع عدة آلاف من المدنيين في مناطق حول العاصمة دمشق. وجاء ذلك في ظل أنباء عن نية النظام عدم السماح لأهالي المدينة بالعودة إليها مرة أخرى، ويتداول ناشطون معلومات عن نية إيران وضع يدها على المدينة.

كما تتجه مدينة معضمية الشام غرب العاصمة إلى توقيع اتفاق شبيه، يقضي بخروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم منها، مقابل تسلّم النظام للمدينة. وأكدت مصادر كانت مشاركة في وفد المدينة المفاوض أن النظام هدد بتدمير المدينة وإبادة أهلها في حال عدم الموافقة على الاتفاق. في الوقت الذي تتواصل فيه مفاوضات مماثلة بين أهالي حي الوعر في مدينة حمص لتسليم آخر معقل للمعارضة في مدينة حمص التي تصبح في حال توقيع الاتفاق، كلها تحت سيطرة النظام الذي سبق له توقيع اتفاق مع مقاتلي المعارضة في الأحياء القديمة للمدينة منتصف عام 2014 قضى بخروجهم إلى شمال سورية بعد حصار لعامين.

ويرى مراقبون أن النظام ماضٍ في تحقيق مشروع "سورية المفيدة" الذي طرحه في العام الفائت، والتي تتضمن جنوب سورية ووسطها وساحلها، متخلياً بذلك عن شمال البلاد وشرقها الذي خرج عملياً عن نطاق سيطرة قواته ومليشياته. وتسيطر المعارضة على محافظة إدلب ومناطق في حلب وأريافها، إضافة إلى ريف حماة الشمالي، في حين تسيطر مليشيات كردية على مناطق شاسعة في محافظة الحسكة (شمال شرق البلاد)، وفي شمال الرقة، وشمال حلب. فيما يسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على كامل محافظة الرقة وأغلب محافظة دير الزور وريف حلب الشرقي.

وتحاول المعارضة السورية المسلحة إفشال مخططات النظام، إذ بدأت هجوماً منذ أيام على وسط البلاد، فسيطرت على مدن وبلدات هامة شمال مدينة حماة، وتنوي توسيع نطاق هجومها ليشمل لاحقاً مدينة حماة، ولكن محللين يشككون في قدرة المعارضة على السيطرة على هذه المدينة الاستراتيجية كونها خط الدفاع عن مدينة حمص، التي يؤكد مطلعون أنها ستكون عاصمة "إقليم علوي" في حال فشل النظام بالاحتفاظ بدمشق.


وتبدو المعارضة اليوم عاجزة عن القيام بأي فعلٍ مجدٍ إزاء مشروع تصفه بـ"الخبيث" بعدما باتت غايته واضحة، وهي فرض أكبر عملية نزوح سكاني بالقوة لصالح تشكيل دويلة تحفظ مصالح روسيا وإيران، وتثبّت بشار الأسد في السلطة. واكتفت المعارضة السياسية بإرسال رسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي بات "قلقه الدائم" تجاه ما يحدث في سورية محل سخرية السوريين. كما أظهرت وثائق ومعطيات أن المنظمة الدولية "غارقة" في "الفضائح"، وهو ما كشفت عنها صحيفة "غارديان" البريطانية، متحدثة عن أن منظمة الأمم المتحدة، عبر وكالاتها المتعددة العاملة في سورية، منحت عشرات ملايين الدولارات لأشخاص ومنظمات مرتبطين برأس النظام بشار الأسد.

ووجّه رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أنس العبدة، يوم الثلاثاء الماضي رسالة جديدة إلى وزراء خارجية مجموعة العمل لدعم سورية، طالب فيها بحماية المدنيين في حي الوعر، وضمان حقهم في البقاء، ومنع تكرار سيناريو مدينة درايا التي هُجّر سكانها. وقال العبدة في رسالته، وفق الائتلاف، إن "ما حصل في داريا يمثّل وصمة عار في تاريخ المنظومة الدولية، والقانون الدولي بالسماح لنظام مارق بالاستمرار في ممارسات التهجير القسري"، لافتاً إلى أن تكرار هذا السيناريو اليوم غير مستبعد، ومن شأنه أن يجهض الجهود الدولية الرامية إلى استئناف العملية السياسية.

من جهته، حذر المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة رياض حجاب، من استخدام منظمة الأمم المتحدة غطاء لخدمة "أجندات مشبوهة" يتم من خلالها إجراء عمليات تغيير ديمغرافي وتهجير قسري في سورية. وقال حجاب، في رسالة وجّهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة يوم الإثنين الماضي، وتلقّت "العربي الجديد" نسخة منها، إنّ "معاناة الشعب السوري تزداد يوماً بعد يوم، لتصبح أكبر مأساة يشهدها العالم المتحضر، وهو يقف مكتوف اليدين، من دون أن يحرك ساكناً لوضع حد لهذه المأساة، والتي هي بلا شك وصمة عار على جبين المجتمع الدولي". وأشار حجاب إلى أنّ حلب "تشكّل حلقة واحدة من حلقات المأساة السورية"، موضحاً أنّ تطور الأحداث فيها أخذ "منحى خطيراً يتم من خلاله تغيير ديمغرافي وتهجير قسري"، مبدياً خشيته من أن "تغرق الأمم المتحدة في تبعاته القانونية والأخلاقية"، ومنبّهاً إلى أنّ "الأمر ذاته ينسحب على الوعر في حمص وداريا ومضايا في ريف دمشق وجميع المناطق في سورية".

وذكّر حجاب بقرارات الأمم المتحدة بشأن الوضع في سورية، "والتي لا يتم تنفيذها، بل التلاعب بها لخدمة أجندات مشبوهة بدأت ترتسم معالمها على الأرض"، آسفاً لأنّ "الأمم المتحدة يتم استخدامها لتنفيذ هذه المخططات، من خلال الهدن المحلية في مخالفة لقرار مجلس الأمن 2268/2016 وقبله القرار 2254/5201، بل ومخالفة ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه ومقاصده"، بحسب الرسالة.

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات رياض نعسان آغا، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن المعارضة العسكرية في داريا ومعضمية الشام "قدّمت بطولات ملحمية، ولكنها واجهت قوى دولية كبرى أجبرتها على الخروج من مناطقها حرصاً على حياة من بقي حياً من المدنيين". وأشار نعسان آغا إلى أن المعارضة السياسية "لم تتوقف عن التواصل مع الأمم المتحدة والدول الكبرى التي لم تفعل شيئاً لإنهاء التهجير القسري"، معتبراً مسألة نعي العملية السياسية بعدما جرى في ريف دمشق وحمص "حالة شعرية"، مضيفاً: "لا بد من بقاء كادر يعمل سياسياً، والحرب الشعبية لم تتوقف".
فيما رأى سفير الائتلاف الوطني السوري في روما بسام العمادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن على المعارضة "تشكيل وفود تزور الدول الفاعلة، وتحركها بعد اطلاعها على ما يجري بالأرقام والتفاصيل، وحشد التأييد من الدول التي يهمها هذا الأمر لتدعم موقفنا أمام الدول الفاعلة".