النساء والأسر

06 يوليو 2019
حقوقهنّ من ضمن سياق أسرهنّ (Getty)
+ الخط -
في إحدى القرى اللبنانية في البقاع (شرق)، لم تتمكّن ناشطات من عقد جلسة حقوقية مع نساء حول قضايا العنف الزوجي إلا بعد إضافة التعبير الآتي في صلب الدعوة: "جلسة حول حقوق الأسرة وتعزيز التضامن الأسري". ولجأت الناشطات إلى تلك الحيلة، مراعيات الخصوصية الثقافية في تلك القرية، لأنّ أيّ حديث عن حقوق المرأة أو قضايا العنف الزوجي كان ليواجه بالمنع وبالمقاومة المجتمعية وحتى بإقفال الباب أمام الناشطات في تواصلهنّ مع النساء. وتلك الحيلة لجأت إليها كذلك منظمات عاملة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في تسعينيات القرن الماضي، حين كان الحديث عن العنف الأسري والزوجي مع النساء "تابو" على الرغم من تعرّض نساء عديدات إليه.

أن يكون الحديث عن العنف الزوجي من المحرّمات، قبل أكثر من عشرين عاماً، أمر يمكننا فهمه. لكن ما لا يمكن فهمه هو هذه الردة الخطيرة في الطرح حيال موضعة حقوق المرأة في ضمن سياق الأسر وحقوقها. والتقرير الذي أصدرته هيئة الأمم المتحدة للمرأة يوم الثلاثاء 23 يونيو/ حزيران المنصرم، هو الدافع لطرح هذا الموضوع.

"تقدّم نساء العالم 2019 - 2020: الأسر في عالم متغير" هو عنوان التقرير الذي يخرج بجملة من التوصيات الخاصة حول حقوق المرأة إنّما من ضمن سياق "أسري"، فتكون الأسر "أماكن للمساواة والعدالة تتمتع المرأة فيها بحق ممارسة حرية الاختيار والتعبير وبالسلامة الجسدية والأمان الاقتصادي". قد يبدو في الظاهر أنّ هذا الأمر منطقي وينطلق من قاعدة حقوقية. لكن عند تدقيق النظر فيه، يظهر أنّه تمّ اختزال حقوق المرأة العالمية لتتلاءم والخصوصية الثقافية للمنطقة، فتكون الأسر هي الحاضن الحقوقي وهي الوحدة المرجعية والأساسية وليس النساء - الأفراد وحقوقهنّ. في هذه المقاربة، توضع النساء تلقائياً في موضع "الزوجات" أو "الأمهات" أو "الطفلات" وتوضع سلّة حقوقهنّ انطلاقاً من أدوارهنّ وليس من فكرة عالميّة حقوقهنّ كأفراد. وضع حقوق المرأة من ضمن إطار أسري يمنع أشكال التعددية والتنوّع في فئة النساء، لا سيّما اللواتي قرّرنَ كسر القوالب وعدم الالتزام بأيّ قواعد أسرية.




ووضع الحقوق الإنسانية للمرأة من ضمن هذا الإطار الأسري من شأنه أن يساوم عليها، كون الأسر هي المعقل الأساسي لانتهاك حقوق المرأة، لا سيّما في ما يخصّ جملة القوانين التي تنظّم العلاقات الأسرية (التي يطلق عليها حقوق الأسرة أو مدوّنة الأسرة أو قوانين الأحوال الشخصية) بحسب ما ترتئي اصطلاحه كل دولة. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تقع النساء غالباً ضحية هذه القوانين التي تحوي كمّاً من التمييز القانوني والثقافي والاجتماعي بحقّ النساء. ويبقى أنّ الحقوق شاملة وعالمية، وكل تخصيص لحقوق المرأة أو وضعها بشكل يراعي خصوصيات ثقافية ومحلية معيّنة، لا يعوّل عليه.

*ناشطة نسوية
المساهمون