20 نوفمبر 2024
النأي عن الحكم الأخلاقي
ليس من المبالغة رؤية أن ممارساتٍ، مثل الزيارة التي قام بها وفد سعودي إلى دولة الاحتلال أخيراً، تشكّل تبرعّاً مجانيّاً يزيّن لرئيس حكومة هذه الدولة، بنيامين نتنياهو، تكرار أن وضع إسرائيل على الساحة الدولية جيدٌ وآخذ بالتحسن، كما قال أول من أمس (25/ 7 /2016) لنوابٍ في الكنيست الصهيوني، منوهاً بأن دولاً كثيرة، بما فيها عربية، تعتبر العلاقات مع إسرائيل بمنزلة "ذخر" في مجالين أساسيين، مكافحة "الإرهاب" والقدرات التكنولوجية.
وكل من يقع في إطار اعتبار إسرائيل على نحو ما يقول به نتنياهو، حتّى من دون أن نسلّـم باستنتاجه تسليماً أعمى، "يبتعد تماماً عن قواعد الحُكم القيمي والأخلاقيّ" المطلوب حيال القضية الفلسطينية، وقد يؤول إلى السقوط في فخّ الإعجاب بالظالم، مثلما سبق أن أشار المفكر عزمي بشارة في محاضرته، لدى افتتاح المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث العربيّة (7- 9 كانون الأوّل/ ديسمبر 2013)، مؤكدّاً أنه لن يصعب على الفلسطينيّ الذي يريد أن يشخّص نقاط الضّعف الإسرائيلية أن يرى تأثّرها البالغ بأيّ قرار بالمُقاطعة، وحتى بحملات المقاطعة المحدودة ضدّها، وبأيّ محاولةٍ للتعامل معها بوصفها دولةً استعماريةً، أو دولة فصل عنصريّ، فهي تريد أن تُصوّر دولةً ديمقراطية (الوحيدة في المِنطقة) ضالعة في مفاوضاتٍ مع طرف فلسطينيّ على نزاعٍ لا يُعرف فيه من الظالم ومن المظلوم. ولهذا، كلما ظهرت بوادر حملة مقاطعة دولية، أو إدانة للاستيطان، استنجدت إسرائيل بالعملية التفاوُضيّة.
كان هذا الاستنجاد يتم من خلال الجانب الفلسطيني، لكنه الآن يجري على قدم وساق من طريق أطراف عربية أيضًا.
يزعم بعض هذه الأطراف (العربية) أن مجتمع دولة الاحتلال غير متجانس، وأن القبول بفكرة أن الإسرائيليين كافة وحدة سياسية واجتماعية هو ما تريده الصهيونية وقيادة هذه الدولة، وأن من المفيد أن يصغي الرأي العام العربي إلى نواقيس تحذير تُدّق في إسرائيل، مهما يكن صوتها خافتاً.
وهو زعم قديم جدًّا، ودأبت أوساط سياسية، في الداخل، على إشهاره منذ عقود طويلة، وما تزال، مضيفة إليه "مشورةً" مؤدّاها أنه لا ينبغي أن تبقى "الأصوات الصحيحة" معزولةً، ومن الضروري أن تشعر بسندٍ أخلاقي وأدبي، وربما سياسي، لها من الجانب العربي، لتعميق التناقض والبرهنة على حقيقة الصهيونية وأخطارها.
ربما كان هذا الزعم مرتكزاً إلى ما يفسّره في الماضي غير البعيد، لكنه غدا مفتقراً إلى أي تفسير في الوقت الحالي.
شهدت إسرائيل، الأسبوع الفائت، ضجة أثارتها إذاعة حلقة حول الشاعر الراحل محمود درويش ضمن برامج "الجامعة المسموعة" في إذاعة الجيش الإسرائيلي. وتعدّ هذه الضجة دليلاً على تفاقم موجة العسكرية والإرهاب الفكري في مجتمع دولة الاحتلال. وللعلم، كان درويش من أنصار التواصل مع المثقفين الإسرائيليين، لكن بشروط. وفي أثناء إقامته داخل الوطن، وقبل أن يغادره بقليل، أدلى بمقابلةٍ إلى صحيفة عبرية حفظتها الذاكرة باعتبارها "أول لقاء بينه وبين القارئ العبري". ومما قاله في حينه: يشقّ عليّ أن أفهم الأغلبية الساحقة من المثقفين اليهود المقيمين هنا، خصوصاً كونهم شديدي الحساسية تجاه أي سوءٍ يتعرض له أي مثقف يهودي، في أية ناحية من أنحاء المعمورة، لكنهم لا يحاولون إجراء أي اتصال من الفهم مع زملائهم العرب.
ويتابع: إن الجهل التام بالأدب العربي ينبع من اعتباراتٍ وحساباتٍ سياسية بحتة، فأولئك الذين يسيطرون على أدوات الدعاية والنشر لا يريدون أن يقدّموا للقارئ العبري حقيقة الأدب العربي. إنهم يخافون مضمون هذا الأدب. ويدركون أن وصول هذا الأدب إلى الجمهور اليهودي سيحطم حواجز. فالأدب العربي هنا هو أدب احتجاج على وضع غير عادل، كأي أدب احتجاجٍ في العالم. وإذا كان بإمكاني أن أستعير مثلًا من أدب الاحتجاج العالمي المعاصر، فسأذكر اسم جيمس بالدوين، الزنجي الأميركي، صاحب الكتاب المثير "لا أحد يعرف اسمي". فالقلائل، القلائل جدًا، في المجتمع اليهودي هم الذين يعرفون أسماءنا وقضايانا.
وكل من يقع في إطار اعتبار إسرائيل على نحو ما يقول به نتنياهو، حتّى من دون أن نسلّـم باستنتاجه تسليماً أعمى، "يبتعد تماماً عن قواعد الحُكم القيمي والأخلاقيّ" المطلوب حيال القضية الفلسطينية، وقد يؤول إلى السقوط في فخّ الإعجاب بالظالم، مثلما سبق أن أشار المفكر عزمي بشارة في محاضرته، لدى افتتاح المؤتمر السنوي الثاني لمراكز الأبحاث العربيّة (7- 9 كانون الأوّل/ ديسمبر 2013)، مؤكدّاً أنه لن يصعب على الفلسطينيّ الذي يريد أن يشخّص نقاط الضّعف الإسرائيلية أن يرى تأثّرها البالغ بأيّ قرار بالمُقاطعة، وحتى بحملات المقاطعة المحدودة ضدّها، وبأيّ محاولةٍ للتعامل معها بوصفها دولةً استعماريةً، أو دولة فصل عنصريّ، فهي تريد أن تُصوّر دولةً ديمقراطية (الوحيدة في المِنطقة) ضالعة في مفاوضاتٍ مع طرف فلسطينيّ على نزاعٍ لا يُعرف فيه من الظالم ومن المظلوم. ولهذا، كلما ظهرت بوادر حملة مقاطعة دولية، أو إدانة للاستيطان، استنجدت إسرائيل بالعملية التفاوُضيّة.
كان هذا الاستنجاد يتم من خلال الجانب الفلسطيني، لكنه الآن يجري على قدم وساق من طريق أطراف عربية أيضًا.
يزعم بعض هذه الأطراف (العربية) أن مجتمع دولة الاحتلال غير متجانس، وأن القبول بفكرة أن الإسرائيليين كافة وحدة سياسية واجتماعية هو ما تريده الصهيونية وقيادة هذه الدولة، وأن من المفيد أن يصغي الرأي العام العربي إلى نواقيس تحذير تُدّق في إسرائيل، مهما يكن صوتها خافتاً.
وهو زعم قديم جدًّا، ودأبت أوساط سياسية، في الداخل، على إشهاره منذ عقود طويلة، وما تزال، مضيفة إليه "مشورةً" مؤدّاها أنه لا ينبغي أن تبقى "الأصوات الصحيحة" معزولةً، ومن الضروري أن تشعر بسندٍ أخلاقي وأدبي، وربما سياسي، لها من الجانب العربي، لتعميق التناقض والبرهنة على حقيقة الصهيونية وأخطارها.
ربما كان هذا الزعم مرتكزاً إلى ما يفسّره في الماضي غير البعيد، لكنه غدا مفتقراً إلى أي تفسير في الوقت الحالي.
شهدت إسرائيل، الأسبوع الفائت، ضجة أثارتها إذاعة حلقة حول الشاعر الراحل محمود درويش ضمن برامج "الجامعة المسموعة" في إذاعة الجيش الإسرائيلي. وتعدّ هذه الضجة دليلاً على تفاقم موجة العسكرية والإرهاب الفكري في مجتمع دولة الاحتلال. وللعلم، كان درويش من أنصار التواصل مع المثقفين الإسرائيليين، لكن بشروط. وفي أثناء إقامته داخل الوطن، وقبل أن يغادره بقليل، أدلى بمقابلةٍ إلى صحيفة عبرية حفظتها الذاكرة باعتبارها "أول لقاء بينه وبين القارئ العبري". ومما قاله في حينه: يشقّ عليّ أن أفهم الأغلبية الساحقة من المثقفين اليهود المقيمين هنا، خصوصاً كونهم شديدي الحساسية تجاه أي سوءٍ يتعرض له أي مثقف يهودي، في أية ناحية من أنحاء المعمورة، لكنهم لا يحاولون إجراء أي اتصال من الفهم مع زملائهم العرب.
ويتابع: إن الجهل التام بالأدب العربي ينبع من اعتباراتٍ وحساباتٍ سياسية بحتة، فأولئك الذين يسيطرون على أدوات الدعاية والنشر لا يريدون أن يقدّموا للقارئ العبري حقيقة الأدب العربي. إنهم يخافون مضمون هذا الأدب. ويدركون أن وصول هذا الأدب إلى الجمهور اليهودي سيحطم حواجز. فالأدب العربي هنا هو أدب احتجاج على وضع غير عادل، كأي أدب احتجاجٍ في العالم. وإذا كان بإمكاني أن أستعير مثلًا من أدب الاحتجاج العالمي المعاصر، فسأذكر اسم جيمس بالدوين، الزنجي الأميركي، صاحب الكتاب المثير "لا أحد يعرف اسمي". فالقلائل، القلائل جدًا، في المجتمع اليهودي هم الذين يعرفون أسماءنا وقضايانا.