التصريح الذي أدلت به المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر ناورت، مساء أمس الثلاثاء، يُعد الأهم والأوضح من بين ردود الفعل الأميركية، منذ بدء الحملة على قطر، في 24 مايو/أيار الماضي، التي بدأت بهجوم إعلامي كاسح، وتطورت في الخامس من يونيو/حزيران إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، وفرض حصار بري وبحري وجوي على الدوحة، من أجل خنقها ودفعها إلى تقديم تنازلات، تتعلق بقرارها الوطني وسياستها المستقلة.
وتحدثت ناورت صراحة عن "فشل السعودية وحلفائها في تقديم تفاصيل تبرر الحصار الذي فرضته على قطر". وقالت إنه "كلما مر الوقت زادت الشكوك بشأن التحركات التي اتخذتها السعودية والإمارات. في هذه اللحظة، ليس أمامنا سوى سؤال واحد بسيط: هل كانت التحركات فعلاً بشأن مخاوفها إزاء دعم قطر المزعوم للإرهاب، أم هي بشأن شكاوى تعتمل، منذ فترة طويلة، بين دول مجلس التعاون الخليجي؟". ودعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جميع الأطراف إلى "حل خلافاتها".
ما قالته الناطقة الأميركية هو نقطة الفصل الأميركية في الحملة أولا، وإعلان لفشل التمثيلية غير المتقنة التي اشتغلتها دوائر أبوظبي، وجرّت الرياض إليها، من خلال العلاقات الخاصة التي تربط ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، اللذين طبخا الطبخة منذ فترة ما قبل وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واستغلا فترة زيارته الرياض، في 21 مايو/أيار الماضي، كي يقلبا الطاولة في منطقة الخليج.
والسؤال هو: لماذا صدر التصريح عن الخارجية الأميركية على هذا النحو، وما هي النتائج التي تترتب عليه؟
لو لم يصدر التصريح بالصيغة التي أعلنتها الناطقة باسم الخارجية الأميركية، لكانت مصداقية الولايات المتحدة أصبحت في الميزان ومعرّضة للاهتزاز، ذلك أن طرفي الأزمة، أبوظبي والرياض، زجا بواشنطن، ورميا على ظهرها حملاً كبيراً، وأخذا من تصريحات الرئيس المتضاربة وغير الواضحة ذريعة للتصعيد ضد الدوحة. الأمر الذي وجدت فيه وزارة الخارجية الأميركية نفسها مطالبة بتحديد موقف واضح من الأزمة، وانتظرت كل هذا الوقت كي تسمع من أبوظبي والرياض، تفاصيل حول التهمة الرئيسية الموجهة لقطر، وهي الضلوع في تمويل الإرهاب، على حد ما ورد في أول تصريح لترامب، حين قال في بداية الأزمة "عندما تحدثنا عن وقف تمويل الإرهاب في الرياض، أشاروا إلى قطر".
توجّه وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إلى واشنطن، وتبعه وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، الأسبوع الماضي، وروّجت وسائل الإعلام الموالية، أنهما حملا في جعبتيهما لائحة الاتهامات، ولكن تصريح الخارجية الأميركية كشف أنهما لم يقدما شيئاً ملموساً.
ما تكوّن لدى واشنطن من حصيلة على تهافت الاتهامات الإماراتية السعودية، سبق أن تكوّن لدى أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي بادر بالوساطة منذ الأسبوع الأول للأزمة، وقد نقل عنه بقية الوسطاء، المغاربة والأتراك، أنه لم يسمع في جولته إلى الرياض ودبي في 7 يونيو، أية معطيات تشكل مضبطة اتهامات للدوحة، ووعده ولي عهد أبوظبي في لقاء دبي، أنه سيقدم لائحة خلال عشرة أيام. ومثلما انتظرت الخارجية الأميركية ولم يصلها شيء، لم تتلق الكويت ما وعد به محمد بن زايد حتى اليوم، الأمر الذي أوقف الوساطة الكويتية.
من دون شك، وصلت هذه الخلاصات إلى الخارجية الأميركية عن طريق الوسيطين المغربي والتركي، وصارت كذلك بحوزة الرئاسة الفرنسية، التي دخلت على الخط بقوة وضغطت من أجل عدم توسيع إطار الأزمة.
تشكل النقلة في الموقف الأميركي، فشلاً ذريعاً لمحور أبوظبي في زج منطقة الخليج في أزمة تستهدف فيها الدوحة، وتصيب سهام هذا الفشل مباشرة الرياض التي تورّطت بسبب تهوّر محمد بن سلمان، وعدم حساب النتائج التي تترتب عليها، الأمر الذي يستدعي من السعودية، إجراء مراجعة سريعة كي لا تُسجل عليها سابقة شق البيت الخليجي باعتماد على وشايات، مصدرها أبوظبي، لم تأخذ في عين الاعتبار ما يترتب عليها من إساءة لمكانة السعودية، وموقعها خليجياً وعربياً وإسلامياً.
فتحت الخارجية الأميركية الباب أمام بقية الأطراف التي أدلت بدلوها خلال هذه الأزمة، وينتظر أن تقدم الكويت والمغرب وتركيا حصيلة الاتصالات التي أجرتها، والتي لن تكون في كل الأحوال في صالح أبوظبي والرياض.