المهيمن جزءاً من العالم

14 يناير 2015
أليس المهيمن جزءاً من العالم؟ (Getty)
+ الخط -

صار من المعروف في معظم مقاربات العلوم الاجتماعية حول علاقة السلطة بالمعرفة، تصنيف أشكال السلطة التي تؤثر على هذه المعرفة، من سلطة القيم، والمركزيات الثقافية، وسلطة الدولة، إلى سلطتي الخطاب والهيمنة التي ترتبط في معظمها بالاستعمار، والتي أسس لها إدوارد سعيد في مشروعه الاستشراق، وأخيراً إلى شكل جديد نُعنى به هنا، اقترحته مجموعة من الماركسيين المحدثين، كمحاولة لربط الماركسية بما أنتجته المعرفة المعاصرة في هذا الجدل، وهي سلطة النمط، ما معناه سلطة الانشغال المعرفي بنمط معيّن، على تأسيس نقاشات تنتقي مواضيع معينة، وتتجاهل أخرى.

ولاقى هذا النقاش جميعه مجموعة أخرى من التصورات الرافضة، والتي تحمل مجموعة من التساؤلات ملخصها: أن هذا النقاش يبالغ في عزل الضحية عن مواضيع المهيمن. وقد تكون هذه توطئة ولو كان مبالغاً فيها، في الربط بين ما حدث في فرنسا أخيراً والنقاش الذي لاقاه ذلك هنا، على اعتبارات أخرى تبدو للبعض مبالغاً فيها أيضاً، تصنّف العالم إلى مهيمِن ومهيمَن عليه.

ويمكن من أجل ذلك الربط، ومن خلاله، عرض أزمتين حقيقيتين في ما يتعلق "برأينا بما يحدث في عالم المهيمن": هل نحن مجبرون على أن نعطي رأينا؟

يبدو في البداية أن ثمة إجابتين أوليتين لهذا التساؤل، في ما يتعلق بما حدث في فرنسا تحديداً، كمثل مكرر: الأولى، وهي التي عبّرت عنها مجموعة المدافعين عن الإسلام، العروبة، وعن أنفسهم، كمتهمين يحاولون تبرئتنا من تهمة أخرى جديدة، لا علاقة للإسلام بها. وهذه الطريقة لا تحتاج الى محاججة كبيرة، لوصفها بأنها هوس في إعجاب الآخر، وهوس في كوننا كما يريد هو، محاولة إثبات ذلك، ومحاولة أن تكون كذلك. حيث إنها اتهام، لا منطق غير منطق الهيمنة يفسره، لأنفسنا بأننا سبب كل ما يحدث حتى "إرهاب" مسلمي فرنسا، وحتى لو اتفقنا جدلاً، مع أنه من غير الممكن، على اتهام النص، ما الذي يجعلنا محل اتهام كعرب في ما يحدث في فرنسا؟ سواء من مسلميها أو من أي دين آخر؟ إلا إذا اعتقدنا بتصورات الفوقية العرقية، موحدة للأصول ومتجاوزة للثقافات، التي تجاوزتها منظومات الاستعمار التي أنتجتها أول الأمر.

والإشكالية الثانية التي يمكن طرحها في سياق ما حدث، هل يتحمل مشروع الإسلام السياسي ومشاريع الأصلانيات العربية، مسؤولية هذه الرؤى، من خلال تعريفها للذات وللآخر؟ التعريف الذي يتعامل مع الإسلام كنص أكثر ممّا يتعامل معه كحالة ثقافية، يسهل الانتماء له، في منطق تنتقل منه الهوية من ثقافة جامعة إلى دين جامع، ويصبح المسلم الفرنسي جزءاً من تعريفنا لأنفسنا، ويخرج من تعريفنا للآخر، الغربي، والذي يجتمع العداء والهوس له وبه في رؤية واحدة.

أما "لا" كإجابة ثانية، ليس علينا أن نعطي رأينا في ما يحدث، والتي قُدمت ضمن مبررات من يرون أن الانشغال في ما حدث، هو سلطة لمواضيع المهيمن ونقاشاته، ويرفضون النقاش من منطق ما تم وصفه عمّن يبرؤون أنفسهم من هذا الذنب. يمكن قراءة تصورهم من مجموعة من المحاججات، أهمها، أليس المهيمن جزءاً من العالم؟ بمعنى آخر أكثر مباشرة: لماذا لا نقدم رؤيتنا خارج الهوس ومحاولة إعجاب الآخر، في تعامل يخرجنا من مركزيتنا، ويعيد تشكيل تعريفنا للآخر، دون اختزاله في المهيمن فقط، ودون إقصاء المهيمن من آخر"نا"، كما يقدم أصحاب المحاججة الأولى، ومن تعاملنا مع أنفسنا كضحية العالم الوحيدة؟

وإن كانت معاداتنا للهيمنة والمهيمن، تفرض علينا رؤية العالم كما هو، بخصوصياته، وخروجنا عن السقوط في فخ الهوس الدائم فيه، وفي محاولة إعجابه، فإنها تفرض علينا أيضاً، خروجنا من ثنائيات المهيمن، بتقويضها لتحويله آخرنا الوحيد، وهذا هو الذي لا يمكن أن يكون بإلغائه، وإنما بإعادة تعريفه كجزء، لا ككل، وبحوارات المهيمَن عليهم.


*فلسطين

المساهمون