الجرائم التي يطغى عليها طابع معاداة السامية في أوروبا لا ترتبط بالمهاجرين الجدد الآتين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثلما يشاع، كذلك فإنّ نسبة هذه الجرائم لم ترتفع في الآونة الأخيرة. هذه خلاصة تحقيق جامعي جديد أعدّته مجموعة من المختصين، وشمل دولاً أوروبية عدّة ونُشر في بروكسل في بداية الأسبوع الجاري.
هل ساهم وصول المهاجرين الجدد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011، في بروز السلوكيات والمواقف المعادية للسامية في أوروبا وتعزيزها؟ هذا هو السؤال الذي سعت المؤسسة الألمانية "ذاكرة. مسؤولية. مستقبل" إلى التوصّل إلى إجابة علمية عنه. لذا كلّفت "مركز دراسة السامية في جامعة لندن" برئاسة الدكتور دايفيد فيلدمان، بإعداد دراسة في كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا، يشرف عليها مختصون من جامعات هذه البلدان.
جرى اختيار ماركو مارتينيلو وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة لييج ومتخصص في الهجرة ومدير مركز دراسات الأعراق والهجرة، إلى جانب مورييل ساكو وهي باحثة في العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة بروكسل المستقلة، للإشراف على الجزء المخصص لبلجيكا من الدراسة. ويوجز مارتينيلو لـ"العربي الجديد" نتائج التحقيق قائلاً إنّ "الدراسة توصّلت إلى خلاصتَين. أولاً، لا تؤكد البيانات التي جمعناها زيادة في الحوادث المعادية للسامية، لكنّ الخوف من ارتكاب جرائم يطغى عليها طابع معاداة السامية موجود بالفعل. وثانياً، إنّ العلاقة بين تصاعد موجة معاداة السامية ووصول المهاجرين الجدد ليست كبيرة بالصورة التي تسمح بربط الملفَّين".
يبرز التقرير انتشار الخوف بين جزء من السكان اليهود في بلجيكا، الذين يقدّر عددهم ما بين 30 ألف شخص و35 ألفاً لا يشكّلون مجموعة متجانسة. وهو خوف من أنّ وصول وافدين جدد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سوف يعزز مكانة الجالية المسلمة في بلجيكا، التي ينظرون إليها في غالب الأحيان على أنّها معادية لليهود. وتشير الدراسة إلى ثلاثة عوامل تدفع إلى التفكير بوجود أفكار معاداة السامية لدى اللاجئين والوافدين الجدد، وهي "التنشئة الاجتماعية التي نموا في حضنها في ظل أنظمة سياسية معادية للسامية في بعض الأحيان، إلى جانب عدائهم المفترض لإسرائيل، وتشابههم مع الأجيال الثانية أو ما بعدها من المهاجرين الآتين من شمال أفريقيا الذين يُنظر إليهم على أنّهم يحملون مواقف معادية للسامية". كذلك، يعزز قلق البلجيكيين اليهود الانطباع بأنّه يُصار إلى التقليل من خطورة مسألة معاداة السامية من قبل السياسيين في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإنّ الحقائق لا تدعم هذه المخاوف. ويوضح مارتينيلو: "هذا لا يعني أنّ معاداة السامية ليست موجودة في بلجيكا - البيانات تكشف عن انتشار واسع بين السكان البلجيكيين للآراء المعادية للسامية المرتبطة بنظريات المؤامرة - لكنّه لم يجر الإبلاغ رسمياً عن كون المهاجرين الجدد هم المتهمون بهذه الجنح المتعلقة بمعاداة السامية".
ويشير التقرير في خلاصاته المتعلقة بكل الدول التي شملها المسح، إلى أنّ "المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجموعة غير متجانسة من السكان تختلف بصورة كبيرة ما بين بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولندا والمملكة المتحدة. واليهود في هذه الدول يعبّرون عن شعور بعدم الأمان". ويشدد على أنّ "المواقف تجاه اليهود، على الرغم من بعض الاختلافات من بلد إلى آخر، هي في الغالب إيجابية ولا تظهر علامات تدهور. فإحصاءات جرائم الكراهية وغيرها لا تبرز أنّ الحوادث التي يطغى عليه طابع معاداة السامية قد ارتفعت، وإن كانت تتقلب مع الانفجارات الدورية للعنف في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وإذا كانت الدراسة قد لاحظت "وجود نسبة كبيرة من المواقف والسلوكيات التي يطغى عليها طابع معاداة السامية، خصوصاً بين الأقليات المسلمة وكذلك بين أولئك الذين يتعاطفون مع المجموعات اليمينية المتطرفة"، فإنّها أكّدت أنّ "يوميات لللاجئين والوافدين حديثاً يهيمن عليها البحث عن حياة جديدة. وإن كانت ثمّة مؤشرات تدل على مواقف واسعة النطاق معادية للسامية بين اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنها تمتلك كذلك آراء إيجابية بشأن الديمقراطية والحقوق المتساوية والتعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود".
ويقول مارتينيلو هنا: "لقد لاحظنا بالنسبة إلى المهاجرين الجدد أنّهم قلقون خصوصاً حول أمور تتعلق بإعادة بناء حياتهم، والحصول على وضع قانوني، وإيجاد وظيفة وسكن. وهم ليس لديهم بالضرورة أيّ شيء يقولونه عن الجالية اليهودية التي لا يعرفون حتى بوجودها في البلد في غالب الأحيان". بالتالي، فإنّ لا شيء يوحي بحسب مارتينيلو بأنّ المهاجرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يساهمون بصورة كبيرة في ما يتعلق بمعاداة السامية الموجودة في المجتمعات الأوروبية. ويشرح أنّ "تحليل البيانات الموجودة والمقابلات التي أجريت لهذا الغرض لم تمكّن الباحثين من التوصّل إلى إيجاد علاقة مهمة بين المهاجرين الجدد وظاهرة معادية للسامية في أوروبا الغربية".
ولم يكتفِ الخبراء بجردة للواقع فحسب، بل قدّموا مجموعة اقتراحات وتوصيات لتحسين مناخ التعايش بين مختلف الجاليات بغض النظر عن انتماءاتها. من وجهة نظرهم، سوف يكون من المفيد وضع خريطة توضيحية للمبادرات الحالية الرامية إلى منع العنصرية ومعاداة السامية والتمييز وجرائم الكراهية. كذلك اقترحوا أن تتضمن البرامج التعليمية وكذلك حصص التكوين (التدريب) المهني، نماذج للتوعية حول مختلف أشكال العنصرية والتمييز، بالإضافة إلى تخصيص دروس لتاريخ الهجرة والاستعمار. وتشمل المقترحات الأخرى تعزيز تدريب ضباط الشرطة حول كيفية تسجيل الشكاوى ذات الصلة بالكراهية، وتوعية الممثلين السياسيين والإعلاميين حول بعض التذّمر من الخطاب العنصري ومعاداة السامية، وكذلك دعم كل المبادرات الهادفة إلى تحسين التواصل والاختلاط بين الأعراق.