يشهد معهد الدراسات الموسيقية في العاصمة العراقية بغداد تراجعاً خطيراً في أعداد المقبلين عليه لتعلم فنون المقام العراقي والأنغام الشرقية والعربية. خلال السنوات الخمس الأخيرة، انخفضت الأعداد إلى حد لم تستوعبه إدارة المعهد، إذ لم يصل عدد المتقدمين للدراسة للعام الحالي إلى 10 طلبة، وهو الأمر الذي يهدد التراث الموسيقي في البلاد، وينذر بكارثة تنامي الموسيقى التجارية التي لا تعتمد على مناهج النغم الأصيل، بحسب إدارة المعهد الحالية.
المعهد الذي تأسس سنة 1970 في بغداد، شهد مراحل ازدهار، حتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، حيث غادرت غالبية طاقمه إلى بلدان عربية وأوروبية، ولكن السنوات الأخيرة، ومع ازدياد النزاعات الطائفية وتعاظم المشكلات السياسية والحرب على داعش وما أفرزت من تجدد الخطاب الديني المتطرف، شهدت عزل الفنون عن الرغبات الشبابية لمرحلة متقدمة، وقد يستمر هذا العزل، مع استفحال حكم الأحزاب الإسلامية المتشددة في البلاد، التي تخطط لاستخدام الدين كأسلوب حياة بعيداً عن تطورات العالم واهتمامه بالفنون.
وبحسب مدير معهد الدراسات الموسيقية في بغداد، ستار ناجي، فقد تحدّث لـ"العربي الجديد" عن قلة أعداد المتقدمين للمعهد، بأنها ترجع إلى "التوجه الديني في البلاد"، مبيناً أن "الأهالي صاروا يمنعون أبناءهم من التوجه إلى دراسة الموسيقى، وإن قلة أعداد طلبة المعهد هي نفسها في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة ببغداد، إذ إن المعهد الثاني وبواقع خمس مراحل دراسية لا يضم سوى 45 طالباً فقط".
وأضاف أن "المعاهد الأهلية والتجارية في مناطق متفرقة من بغداد دخلت على الخط، وصار بإمكان من يريد التعلم على آلية معينة تعلمها دون اللجوء إلى معهد الدراسات الموسيقية، ولكن في السابق كان هناك توجه شعبي للموسيقى، وهو أمر طبيعي نظراً للحالة الاجتماعية والوعي المتقدم والانفتاح، بالإضافة إلى أن المعهد كان مهرباً جيداً من الخدمة العسكرية التي كانت تُفرض على الشباب"، مشيراً إلى أن "وضع معهد الدراسات الموسيقية الحالي مرتبط بالوضع السياسي، لأنه في الحكومات السابقة كان الحزب الشيوعي العراقي هو الممسك بأمور وزارة الثقافة، وكما هو معروف فإن هذا الحزب ميال للفنون، لذا كانت أمورنا بخير، أما اليوم فنواجه مشكلات بتعريف المعهد، وهناك الكثير من العراقيين، وحتى الدوائر الرسمية، لا يعرفون مكان المعهد أصلاً".
اقــرأ أيضاً
ولفت إلى أن "وضع الموسيقى العراقية والمقام الأصيل في البلاد في خطر، طالما أن توجه المتقدمين للدراسة في المعهد يقل سنة بعد ثانية، لذا نحن بحاجة إلى زيارات من فنانين عراقيين من أبناء المعهد السابقين، مثل نصير شمّة وكاظم الساهر، لأن هذه الزيارات توّلد دعاية وإعلاناً ومعرفة بالمكان، وعلى الفنانين أن يتذكروا معهدهم وماضيهم".
"5 طلبة فقط تقدموا للدراسة في المعهد خلال العام الحالي"، كشف ذلك أستاذ الموسيقى العربية في المعهد دريد فاضل
وقال لـ"العربي الجديد" إن "توجهات الشباب العراقي اختلفت عن الماضي، وأغلبهم يفكرون الآن في الدخول إلى كليات ومعاهد يحصلون على تعيينات حكومية من خلالها، وإن أغلبية التوجهات الحالية نحو الكليات العسكرية التي يتخرّج منها ضباط وشرطة، أما بالنسبة للشابات فإنهن أمام صعوبة كبيرة في إقناع أسرهن بدراسة الموسيقى"، موضحاً أن "الوضع الحالي أسفر عن وجود استوديوهات وشركات إنتاج ومحطات فضائية، ويمكن لمن يريد أن يصبح مطرباً أن يفعل ذلك، لأن المعايير اختلفت، ودراسة الموسيقى أصبح الشباب الجديد يظنون أنها تعطل مسيرتهم السريعة، وهذا جزء من الانحدار بمستوى الثقافة الموسيقية".
وأكمل أن "تراجع الإقبال على دراسة الموسيقى يعود لأسباب كثيرة، منها الحروب والحصار الاقتصادي على العراق وموجات العنف والطائفية والصراعات السياسية وتناحر الأحزاب، فضلاً عن زيادة الفكر القبلي والعشائري، إذ من الصعب خروج طالب أو طالبة من منطقة تشهد تناحراً طائفياً أو مشكلات أمنية وبالتالي الخروج من المنزل إلى المعهد وأحدهم يحمل عوداً أو آلة موسيقية"، مشيراً إلى أن "المعهد ازدهر في سبعينيات وثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وكان خريج المعهد يحصل على تعيين حكومي وفرص عمل ومشاركات واسعة في المهرجانات، وكانت الدولة تعامله على أنه ثروة وطنية، أما اليوم، فخريج المعهد لا يملك خيارات كثيرة، لذلك يتوجه إلى الشرطة والجيش".
وتحدث طالب المعهد والعازف على آلة القانون، حسين مسلم، لـ"العربي الجديد"، بأن "من مشاكل المعهد موقعه الحالي، إذ إنه في منطقة السنك ببغداد، وهي بعيدة نسبياً عن غالبية الطلبة، ولا خطوط نقل يمكنها الوصول إلى المنطقة، ومن الأمور التي دفعت الراغبين في دراسة الموسيقى إلى الابتعاد عن المعهد، هي أن شهادة المعهد غير مقبولة لدى كلية الفنون الجميلة، لأن المعهد تابع لوزارة الثقافة، والكلية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على الرغم من كون المعهد الحالي يعد أفضل معاهد دراسة الموسيقى في الوطن العربي، وقد صنع فنانين كباراً"، مبيناً أن "المعاهد التجارية المتوفرة في بغداد وبعض المحافظات الأخرى، لا يمكنها تعليم كل شيء للطالب، لأنها تسعى إلى تعليم أكبر عدد ممكن من الطلبة في أقل وقت، لأنهم يتعاملون مع الموسيقى على أنها قضية ربحية، وأن هذه المعاهد أثرت على التوجه نحو معهد الدراسات النغمية، فضلاً عن تفكير الطلاب الذي يتجه إلى الأمور المضمونة، لأن غالبيتنا يدرك أن المستقبل مجهول، والتعيينات بهذا الاختصاص قليلة وذات رواتب مالية قليلة".
يرى الموسيقي العراقي نصير شمّة أن "المشكلة تكمن في وزارة الثقافة العراقية التي لا بد من حلها وهيكلتها من جديد"، مبيناً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "في كل البلدان التي تمر بها حروب تسحق الثقافة والفنون بالبداية، وهما آخر ما يعود للحياة، فمن الطبيعي أن يشهد معهد الدراسات النغمية هذا التراجع الكبير في العراق".
وتابع، أن "هناك تقصيراً واضحاً من قبل الوزارات المتعاقبة منذ عام 2003 في رعاية الفنون والموسيقى والثقافة، وتقصيراً حكومياً في الأموال التي تطلق لوزارة الثقافة، وإن الفنون بأشكالها كافة تشهد تراجعاً واضحاً بسبب هذا الإهمال"، مشيراً إلى أنه "كلما تواصل مع مسؤول عراقي من أجل لفت النظر إلى أهمية رعاية جانب الفنون والموسيقى، قال المسؤول إن الأهمية الحالية تقتضي الاهتمام بقطاع الأمن، حتى إن دول العالم لم تعد تثق بالتبرع للعراق، ولا تتبرع لأنه بلد غني وليس فقيراً".
المعهد الذي تأسس سنة 1970 في بغداد، شهد مراحل ازدهار، حتى الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، حيث غادرت غالبية طاقمه إلى بلدان عربية وأوروبية، ولكن السنوات الأخيرة، ومع ازدياد النزاعات الطائفية وتعاظم المشكلات السياسية والحرب على داعش وما أفرزت من تجدد الخطاب الديني المتطرف، شهدت عزل الفنون عن الرغبات الشبابية لمرحلة متقدمة، وقد يستمر هذا العزل، مع استفحال حكم الأحزاب الإسلامية المتشددة في البلاد، التي تخطط لاستخدام الدين كأسلوب حياة بعيداً عن تطورات العالم واهتمامه بالفنون.
وبحسب مدير معهد الدراسات الموسيقية في بغداد، ستار ناجي، فقد تحدّث لـ"العربي الجديد" عن قلة أعداد المتقدمين للمعهد، بأنها ترجع إلى "التوجه الديني في البلاد"، مبيناً أن "الأهالي صاروا يمنعون أبناءهم من التوجه إلى دراسة الموسيقى، وإن قلة أعداد طلبة المعهد هي نفسها في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة ببغداد، إذ إن المعهد الثاني وبواقع خمس مراحل دراسية لا يضم سوى 45 طالباً فقط".
وأضاف أن "المعاهد الأهلية والتجارية في مناطق متفرقة من بغداد دخلت على الخط، وصار بإمكان من يريد التعلم على آلية معينة تعلمها دون اللجوء إلى معهد الدراسات الموسيقية، ولكن في السابق كان هناك توجه شعبي للموسيقى، وهو أمر طبيعي نظراً للحالة الاجتماعية والوعي المتقدم والانفتاح، بالإضافة إلى أن المعهد كان مهرباً جيداً من الخدمة العسكرية التي كانت تُفرض على الشباب"، مشيراً إلى أن "وضع معهد الدراسات الموسيقية الحالي مرتبط بالوضع السياسي، لأنه في الحكومات السابقة كان الحزب الشيوعي العراقي هو الممسك بأمور وزارة الثقافة، وكما هو معروف فإن هذا الحزب ميال للفنون، لذا كانت أمورنا بخير، أما اليوم فنواجه مشكلات بتعريف المعهد، وهناك الكثير من العراقيين، وحتى الدوائر الرسمية، لا يعرفون مكان المعهد أصلاً".
ولفت إلى أن "وضع الموسيقى العراقية والمقام الأصيل في البلاد في خطر، طالما أن توجه المتقدمين للدراسة في المعهد يقل سنة بعد ثانية، لذا نحن بحاجة إلى زيارات من فنانين عراقيين من أبناء المعهد السابقين، مثل نصير شمّة وكاظم الساهر، لأن هذه الزيارات توّلد دعاية وإعلاناً ومعرفة بالمكان، وعلى الفنانين أن يتذكروا معهدهم وماضيهم".
"5 طلبة فقط تقدموا للدراسة في المعهد خلال العام الحالي"، كشف ذلك أستاذ الموسيقى العربية في المعهد دريد فاضل
وقال لـ"العربي الجديد" إن "توجهات الشباب العراقي اختلفت عن الماضي، وأغلبهم يفكرون الآن في الدخول إلى كليات ومعاهد يحصلون على تعيينات حكومية من خلالها، وإن أغلبية التوجهات الحالية نحو الكليات العسكرية التي يتخرّج منها ضباط وشرطة، أما بالنسبة للشابات فإنهن أمام صعوبة كبيرة في إقناع أسرهن بدراسة الموسيقى"، موضحاً أن "الوضع الحالي أسفر عن وجود استوديوهات وشركات إنتاج ومحطات فضائية، ويمكن لمن يريد أن يصبح مطرباً أن يفعل ذلك، لأن المعايير اختلفت، ودراسة الموسيقى أصبح الشباب الجديد يظنون أنها تعطل مسيرتهم السريعة، وهذا جزء من الانحدار بمستوى الثقافة الموسيقية".
وأكمل أن "تراجع الإقبال على دراسة الموسيقى يعود لأسباب كثيرة، منها الحروب والحصار الاقتصادي على العراق وموجات العنف والطائفية والصراعات السياسية وتناحر الأحزاب، فضلاً عن زيادة الفكر القبلي والعشائري، إذ من الصعب خروج طالب أو طالبة من منطقة تشهد تناحراً طائفياً أو مشكلات أمنية وبالتالي الخروج من المنزل إلى المعهد وأحدهم يحمل عوداً أو آلة موسيقية"، مشيراً إلى أن "المعهد ازدهر في سبعينيات وثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وكان خريج المعهد يحصل على تعيين حكومي وفرص عمل ومشاركات واسعة في المهرجانات، وكانت الدولة تعامله على أنه ثروة وطنية، أما اليوم، فخريج المعهد لا يملك خيارات كثيرة، لذلك يتوجه إلى الشرطة والجيش".
وتحدث طالب المعهد والعازف على آلة القانون، حسين مسلم، لـ"العربي الجديد"، بأن "من مشاكل المعهد موقعه الحالي، إذ إنه في منطقة السنك ببغداد، وهي بعيدة نسبياً عن غالبية الطلبة، ولا خطوط نقل يمكنها الوصول إلى المنطقة، ومن الأمور التي دفعت الراغبين في دراسة الموسيقى إلى الابتعاد عن المعهد، هي أن شهادة المعهد غير مقبولة لدى كلية الفنون الجميلة، لأن المعهد تابع لوزارة الثقافة، والكلية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، على الرغم من كون المعهد الحالي يعد أفضل معاهد دراسة الموسيقى في الوطن العربي، وقد صنع فنانين كباراً"، مبيناً أن "المعاهد التجارية المتوفرة في بغداد وبعض المحافظات الأخرى، لا يمكنها تعليم كل شيء للطالب، لأنها تسعى إلى تعليم أكبر عدد ممكن من الطلبة في أقل وقت، لأنهم يتعاملون مع الموسيقى على أنها قضية ربحية، وأن هذه المعاهد أثرت على التوجه نحو معهد الدراسات النغمية، فضلاً عن تفكير الطلاب الذي يتجه إلى الأمور المضمونة، لأن غالبيتنا يدرك أن المستقبل مجهول، والتعيينات بهذا الاختصاص قليلة وذات رواتب مالية قليلة".
يرى الموسيقي العراقي نصير شمّة أن "المشكلة تكمن في وزارة الثقافة العراقية التي لا بد من حلها وهيكلتها من جديد"، مبيناً في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "في كل البلدان التي تمر بها حروب تسحق الثقافة والفنون بالبداية، وهما آخر ما يعود للحياة، فمن الطبيعي أن يشهد معهد الدراسات النغمية هذا التراجع الكبير في العراق".
وتابع، أن "هناك تقصيراً واضحاً من قبل الوزارات المتعاقبة منذ عام 2003 في رعاية الفنون والموسيقى والثقافة، وتقصيراً حكومياً في الأموال التي تطلق لوزارة الثقافة، وإن الفنون بأشكالها كافة تشهد تراجعاً واضحاً بسبب هذا الإهمال"، مشيراً إلى أنه "كلما تواصل مع مسؤول عراقي من أجل لفت النظر إلى أهمية رعاية جانب الفنون والموسيقى، قال المسؤول إن الأهمية الحالية تقتضي الاهتمام بقطاع الأمن، حتى إن دول العالم لم تعد تثق بالتبرع للعراق، ولا تتبرع لأنه بلد غني وليس فقيراً".