تعاني القاعات السينمائية في المغرب من نزيف حادّ. إذ يصل عددها في مختلف مناطق البلاد إلى 39 قاعة فقط، فيما كانت في حدود 247 قاعة منذ 30 عاماً،. وتراجع مرتادوها من 45 مليون متفرّج العام 1980 إلى مليونين فقط في العام 2012.
ليس في الدار البيضاء، أكبر مدينة مغربية، سوى 10 قاعات سينمائية، و24 شاشة ضخمة، وتوجد في العاصمة الرباط ثلاث قاعات فقط. أما مدينة مراكش جنوب البلاد، ففيها خمس قاعات، وفي طنجة شمالا أرب قاعات فقط.
تتمركز القاعات السينمائية بالمغرب في 10مدن فقط هي: الدار البيضاء، ومراكش، وطنجة، والرباط، ومكناس، وفاس، ووجدة، وتطوان، وسلا، وأكادير، أما باقي مدن المملكة فقد اندثرت قاعاتها السينمائية كلياً.
ويسجّل مراقبون مفارقة كبيرة تتعلّق بمدينة وارزازات، التي تُعرف بأنّها "هوليوود العالم العربي"، نسبة إلى عدد الأفلام السينمائية العالمية التي يجري تصويرها في استوديوهاتها وطبيعتها الجذابة، بينما لا تتوفر المدنية على أيّ قاعة سينمائية بعد إغلاق الصالات المتواجدة.
عبد الحي قُجال هو مالك قاعة سينمائية سابقاً في الرباط، قال لـ"العربي الجديد" إنّه عانى كثيراً في السنوات الأخيرة. إذ كان يملك صالة عرض في أحد أحياء المدينة. كان يحرص على عرض أجود الأفلام المغربية والدولية لاستقطاب الجمهور، من دون جدوى. معاناته المادية جراء الخسائر التي مُنيَ بها كانت شديدة، لأنّ مداخيل قاعته السينمائية لم تكن تغطي مصاريفها الكثيرة.
يعتبر عبد الحي قُجال أنّ تناقص أعداد مرتادي السينما سببه قرصنة الأفلام الجديدة عن الإنترنت، ما شجّع على عزوف الناس عن الذهاب إلى السينما: "أمام الإفلاس الذي تعرّضت له قاعتي السينمائية، وتناقص أعداد الجمهور الذي يفِدُ إلى الصالة يوماً بعد يوم، فضلاً عن عدم مساعدة الدولة لأرباب القاعات السينمائية، قرّرت إغلاقها بشكل نهائي، لأتفرّغ للأعمال الحرة المُربحة".
الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي سجّل تناقضاً واضحاً ما بين تناقص أعداد القاعات السينمائية في المغرب، مقارنة مع تنام ملموس لإنتاج الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة.
إشارة سيجلماسي تتمثّل في كون المغرب ينتج كلّ سنة ما بين 10 إلى 20 فيلماً سينمائياً طويلا، وما بين 400 إلى 100 فيلم سينمائي قصير. ووصف الناقد السينمائي السياسة السينمائية الراهنة في المغرب بكونها "عرجاء وغير متوازنة، لأنّها ارتكزت على تطوير الإنتاج بشكل مضطرّد، بفضل سياسة دعم الأفلام مادياً من طرف المركز المغربي السينمائي، فيما استفحل تجاهل القاعات التي تروّج هذه الأفلام".
الحكومة المغربية هي الأخرى غير راضية عن النزيف الذي يعصف بالقاعات السينمائية في البلاد. إذ سبق لوزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، أن وصف اندثار الصالات السينمائية بأنّه "مشكل يؤرق الجميع، بالنظر إلى تعدّد المعنيين بالموضوع".
وشدد الوزير على "ضرورة تضافر الجهود لتشجيع بناء القاعات السينمائية"، مرجعاً تراجع عدد القاعات السينمائية في المغرب إلى "عدد من العوامل المؤثرة، ومن بينها القرصنة، والإنترنت، وتحويل بعض القاعات إلى مشاريع تجارية مدرّة للربح".
إذ يحوّل أرباب العديد من القاعات السينمائية صالاتهم، التي كانت تعرض الأفلام، إلى مشروعات تجارية تدرّ عليهم عائدات مالية، من قبيل سينما "كوليزي" الشهيرة قبالة البرلمان في العاصمة، التي حوّلها صاحبها إلى مكتبة عصرية، ثم إلى محل تجاري يقبل عليه الزبائن بكثرة.