المغرب الترانسكولونيالي: فلسطين بوصفها استعارة

30 مارس 2016
(مخيم خانيونس في غزة، 2014، تصوير: سعيد خطيب)
+ الخط -

كانت فلسطين حاضرة ضمن الشعارات التي رُفعت في الثورات والانتفاضات التي شهدتها عدة بلدان عربية بعد عام 2011. كيف يُقرأ هذا الحضور بين مطالب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الأفراد والجماعات؟

تطرح هذا التساؤل الباحثة أوليفيا س. هاريسون، أستاذة الفرنسية والدراسات الشرق أوسطية في جامعة كاليفورنيا الأميركية، وقد خصّصت له مؤلفاً باللغة الإنجليزية بعنوان "المغرب الترانسكولونيالي: تخيّل فلسطين في عصر ما بعد الاستعمار" (2016، منشورات مطبعة "جامعة ستانفورد").

تتناول الباحثة في هذا المؤلف دلالات ومعاني فلسطين بالنسبة لغير الفلسطينيين، خصوصاً المغاربيين، وانطلاقاً منها تناقش كيف شكّلت قضيّتها نوعاً من الرغبة في تخلّصهم من المظاهر الاستعمارية التي تظل تظهر بعد الاستقلال. تبرز فلسطين باعتبارها مثالاً للعيش تحت وطأة الاستعمار بقسوته وظلمه في زمن يطلق عليه "ما بعد الاستعمار".

تتميّز جدة البحث في كونه أول مؤلّف يقترح تحليلاً للأشكال والطرق التي اعتمدها الكتّاب المغاربة والجزائريون والتونسيون في التعامل مع القضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني خلال الخمسين سنة الماضية، راصداً طرق تناول قضايا العلاقات السياسية بين شمال أفريقيا و"الشرق الأوسط".

من أجل ذلك، تحلّل هاريسون مجموعة كتابات ممن ارتبطت كتاباتهم، سواء الفكرية منها أو الإبداعية، بالقضية الفلسطينية، على غرار عبد اللطيف اللعبي وكاتب ياسين وألبير مِمّي وأحلام مستغانمي وعبد الكبير الخطيبي وجاك دريدا وجاك حسون وإدمون عمران المالح.

وتبرّر الباحثة اختيار هؤلاء الكتّاب دون غيرهم لكونهم أولوا اهتماماً للقضية الفلسطينية وللصراع الفلسطيني-الصهيوني، كما أنهم ساهموا مساهمة فعّالة في تطوّر الأدب المغاربي والتاريخ الثقافي بشكل عام. اللافت أن بعض من وردت أسماؤهم يهود، مثل جاك دريدا وجاك حسّون وإدموند عمران المالح وألبير ممّي؛ ما يخلق لهم نوعاً من التصادم الوجداني والفكري بين أصولهم الدينية وهويّتهم من جهة، والواقع السياسي الذي فرضه وجود "إسرائيل" في سياق الجغرافيا التي ينتمون إليها من جهة أخرى.

أغلب العيّنات التي اشتملت عليها هذه الدراسة لم تكن مترجمة إلى اللغة الإنجليزية؛ ما أضاف مجهوداً إضافياً على الباحثة التي اضطرّت إلى ترجمة هذه النصوص إلى الإنجليزية.

تتوزّع الكتابات التي تدرسها هاريسون بين الروايات والمسرح الشعبي ومقالات المجلات الأدبية والكتابة النسائية والرسائل والكتابات غير المنشورة، وتقع نصوصها الأصلية بين لغات ثلاث هي العربية والفرنسية والأمازيغية.

 يتناول الفصل الأول من الكتاب، وعنوانه "تخليص المغرب من النزعة الاستعمارية" تجارب "مجلة أنفاس" المغربية التي صدرت في الستينيات، والتي جعلت مقولة "فلسطين وتخليص الثقافة من النزعة الاستعمارية" شعاراً لها رفعته بعد عام 1967.

إلى جانب "أنفاس"، تدرس هاريسون نموذجين جزائريين مختلفين؛ كاتب ياسين من خلال مسرحيته "محمد ارفد فاليزتك" (محمد أمسك حقيبتك) وأحلام مستغانمي في ثلاثيتها الروائية، التي ترى أنها وظفت فلسطين مثل مرآة عاكسة لصورة الجزائر بكل تناقضاتها واستعملتها من أجل التعبير عن الرغبة في التحرّر في مرحلة ما بعد الاستعمار.

أما الفصل الثاني، فقد حمل عنوان "اليهود والعرب ومبدأ الانفصال"، وهنا تدرس بداية صورة اليهودي العربي في أعمال عالم الاجتماع التونسي ألبير ممّي، قبل أن تنتقل في باب بعنوان "اللغات الإبراهيمية" إلى أعمال عبد الكبير الخطيبي وجاك حسّون وجاك دريدا.

 الأول تضيء هاريسون عمله "الحمى البيضاء" (1974) وفيه يظهر موقفه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ردّه على جان بول سارتر، وجزء كبير من النخب الفرنسية التي تصوّر إسرائيل ضحية العرب. أما حسّون، فتتناوله من خلال عمله "نفس الكتاب" (1985) والذي هو عبارة عن مراسلات تضيء علاقة الباحث المصري بهويّته من زاوية الصراع العربي الصهيوني.

يمثل دريدا نموذجاً خاصاً، فهو يهودي جزائري، استقر في فرنسا بعد استقلال الجزائر وكان مُنظراً للعلاقات بين الإسلام واليهودية؛ حيث يشير إلى وحدة الأصل بين أبناء الديانتين (الأصل الإبراهيمي) من موقع انتماء مزدوج فهو يهودي، ولكن جزائريته تجعله في موقع قريب من فلسطين.

أخيراً، تعالج هاريسون أعمال إدموند عمران المالح الذي عُرف بحنينه إلى تعايش المسلمين واليهود في المغرب، مشيرة إلى أن هذا الأمر حجب اهتمام المالح بالجانب التصادمي بين العرب وإسرائيل.

في خاتمة عملها، تنفتح المؤلفة على نموذج كتابة غير مغاربية حول فلسطين من خلال عمل الكاتبة السورية سمر يزبك "تقاطع نيران: من يوميات الانتفاضة السورية" (2012)؛ حيث تلاحظ أن العمل أعطى الاهتمام إلى الطبيعة الشعرية لفلسطين باعتبارها استعارة يمكن من خلالها المقارنة بين الاستبداد الداخلي والاحتلال الخارجي.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في كلّ حراك عربي
في كل حراك عربي ينادي بالعدالة الاجتماعية والحرية ثمة حضور لفلسطين. هذا ما تؤشر إليه مؤلفة "المغرب الترانسكولونيالي"، سواء في زمن ما بعد الاستعمار أو زمن الانتفاضات العربية الأخيرة. وبالتالي، يُقرأ حضور فلسطين القوي في مستوى استعاري عميق مرتبط بآمال التحرر والعيش الكريم واحترام حقوق الأفراد والجماعات. استعارة كانت ترمز أيضاً لطي الخلافات السياسية والقبول بالاختلافات العقائدية والأيديولوجية.



 



 

المساهمون