1
أيُّ معجزةٍ أن تكونوا على قيد الحياة.
الأثداءُ النافرة
لهذا البلد الذي تشربون منه
تمتلئُ بحليبٍ يغلي في أفواهكم،
ويحرق شفاهكم.
كيف يمكن العثورُ على الخيط،
أين تخبّئون أسنانَ هذه الأرض،
وجسدَ العذراء الذي يرفع حاشية التنورة
ليذوقَ المطر،
والفاكهةَ التي تتعفّنُ على أغصان الطّين،
والأسماكَ التي تجوبُ البِركة
بحراشِفها الذهبيّة.
كم تئنُّ الأجساد ألماً ولذَّة
حتى تصير ضباباً،
غباراً يفتّشُ عن الغابة الباردة
بين الطُّحلُبِ والسرخسِ الذي يتسلّقُ جُذوعَ
الأوركيديا المتعانقة حيث عثورُها على الضوء.
عمَّ تبحثُ الغمّازات بين الحجارة الجرداء،
وإلامَ ترمي القِطط في ليلِ
هذا البلد الذي يتألّمُ في أوجِ النهار.
من يقطن أشجار الأرز والصنوبر،
إلى أين سترحل طيور البجع
عندما لا تستطيع أن ترى نفسها مُنعكسةً
في صفحة المحيط.
أيُّ جزعٍ:
تحت أجنحتها ستشعرُ
بحُرقةٍ من رملٍ وجُذور.
2
لا تُوقِظوا هذا البلد،
الأرضُ ترتجفُ في شوارعه الرمادية،
أشجار الصَّفصاف تصرخُ في الغابات
بينما تفرُّ طيور البوم.
أريدُ أن أنصت إلى خَطوِ الطيورِ الطويلةِ الساقين
تهجرُ لسانَ الجبال الناريّ،
أريد أن أراها تعبر قُبالةَ البيوت
وأن يستقبلها كلُّ الرجال.
لكن لا ترفعوا أصواتكم أو بنادقكم.
لا إطلاقَ نارٍ يُضاهي هذه الحجارة
التي تتدحرجُ من أعالي الهضاب مثلَ شلّالات.
3
احموا أنفسكم من البرد:
هذا البلد لا يَعي ألمه ولا حُمَّاه
وإنْ تملَّى حائراً أنبياءَه.
أيُّ جُوعٍ في تلك الأفواه،
كم من تجديفٍ يسكنُ الآذان.
لا ينبغي أن تموتوا في سبيل أحدٍ أو لأجل شيءٍ ما،
فالهواء الذي يتشبّث بالصُّدور
يساوي الأبديَّةَ وكلَّ حُظوةٍ
تعِدُكُم بها الآلهة.
سنصحُو قريباً، الفجرُ لا يتراجعُ أبداً،
وحين يحدّق في عيوننا فتلك معجزة.
* Fernando Valverde شاعر إسباني من مواليد غرناطة عام 1980، يُعد من أبرز أسماء جيله الشعري. القصيدة من مجموعته "عينا البجعة"
** الترجمة عن الإسبانية كاميران حاج محمود
اقرأ أيضاً: حتى لو صرتُ الغابةَ