أشعلت المعارك الضارية بين المجموعات المسلحة بعدة مناطق في ليبيا، أسعار العقارات في المدن الأكثر هدوءاً، التي نزحت إليها عشرات آلاف الأسر على مدار الأشهر الماضية، لتشهد الإيجارات وأسعار العقارات قفزات بنسبة تصل إلى 25%.
وبينما تسبّب عدم الاستقرار السياسي والأمني في تضرر قطاعات اقتصادية عدة في ليبيا، إلا أن القطاع العقاري كان الأكثر نشاطاً بفعل الإقبال المتزايد عليه في المناطق الآمنة البعيدة عن نطاق المعارك الحالية بين قوات فجر ليبيا، المحسوبة على الثوار، وعمليات الكرامة، التي يقودها اللواء المُتقاعد خليفة حفتر.
وشهدت منطقتا "ككلة"، جنوب غرب العاصمة طرابلس، و"ترهونة"، جنوب شرق، عمليات نزوح إلى العاصمة، فيما سجلت بنغازي (شرق)، عمليات نزوح إلى المنطقة الشرقية.
ويقول عاملون في السوق العقارية إن أسعار العقارات في المنطقة الشرقية ارتفعت بنحو 25% جراء نزوح ما يقرب من 850 ألف شخص من مدينة بنغازي خلال الفترة الأخيرة، بحسب الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية، إلى مناطق مجاورة لها.
وأوضحوا أن أسعار الإيجارات، "الاستوديو" المكوّن من غرفة وصالة صغيرة وحمام بدون أثاث، وصلت إلى 700 دينار (534 دولاراً)، وإيجار الشقة الصغيرة المؤلفة من غرفتين وصالة وصل إلى ما بين 800 إلى 1000 دينار (610 و763 دولاراً).
وقال وائل الغربي، وهو وسيط عقاري بطرابلس، إن ارتفاع قيمة الإيجارات جاء كرد فعل طبيعي على ارتفاع أسعار العقارات.
وحسب رئيس اتحاد المقاولين الليبيين، سمير الورفلي، فإن القطاع الوحيد الذي يعمل الآن في ليبيا هو القطاع العقاري.
وتوقفت معظم الشركات الأجنبية في ليبيا منذ اندلاع الثورة، في فبراير/ شباط 2011، وساهم التوتر القائم بين المسلحين في استمرار توقفها، بعدما سجلت معظمها خسائر فادحة على مدار السنوات الثلاث الماضية.
وتقول تقارير رسمية إن نحو 80 شركة، من أصل 800 شركة أجنبية تعمل في ليبيا، حصلت على تعويضات وعادت بالفعل للعمل.
وقال الورفلي، في تصريح لمراسل "العربي الجديد"، إنه لا يوجد اتفاق عام على مختلف القطاعات في الدولة مند مطلع العام الحالي، ولا توجد عمليات ضخ سيولة في السوق، باستثناء العقارات التي تشهد طلباً متنامياً وتركيزاً من قبل معظم الاستثمارات في الفترة الأخيرة.
وإلى جانب الصراعات المسلحة، تعاني ليبيا أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلاميين زادت حدته أخيراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته، الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق (شرق)، والذي تم حله أخيراً من قبل المحكمة الدستورية العليا، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه.
أما الجناح الثاني للسلطة، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته أخيراً)، ومعه رئيس الحكومة، عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش، جاد الله العبيدي (الذي أقاله مجلس النواب).
وأكد مدير الإعلام في جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق الحكومي، القدافي محمد، أن الشركات الأجنبية التي تعمل في مجالات الاستثمار العقاري لم تغادر سوى في بعض المناطق، ومنها بنغازي وبعض مناطق طرابلس.
وتشهد ليبيا ارتفاعاً في معدلات الطلب على السكن، حيث تشكل شريحة الشباب 70% من تعداد سكان البلاد البالغ عددهم 5.6 ملايين نسمة، بحسب نتائج المسح السكاني عام 2012.
وتسببت تصريحات أخيرة لرئيس حكومة الإنقاذ الوطني، عمر الحاسي، المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام المنتهية صلاحيته، حول رفع قيمة القروض العقارية لبناء المساكن إلى مبلغ 120 ألف دينار (92 ألف دولار) اعتباراً من 2015، بدلاً من السقف الحالي المعمول به وهو 40 ألف دينار (30.5 ألف دولار)، في ارتفاع أسعار العقارات أيضاً داخل العاصمة، حسب محللين اقتصاديين، لتضيف بذلك عاملاَ جديداً إلى عامل النزوح الضاغط على بعض المناطق الأكثر هدوءاً.
ورغم تراجع إيرادات النفط بسبب توقف حقول وموانئ للتصدير، منذ بداية العام الحالي، إلا أن ليبيا تتمتع باحتياطي كبير من النقد الأجنبي بلغ 119 مليار دولار في 2013.