منذ أن دفع النظام السوري الثورة السلمية التي قامت ضده إلى اللجوء لخيار العمل المسلح، والمعارك بين النظام والمعارضة تسير وفق الرؤية الأميركية التي تحدث عنها العديد من السياسيين والمحللين الأميركيين، والتي تقوم على الحفاظ على حالة استعصاء عسكري بين طرفي المعارضة والنظام، من مبدأ أن جميع القوى التي تتصارع في سورية هي قوى شريرة، وأن تلك القوى لا تشكّل خطراً كبيراً على الغرب عندما تتقاتل فيما بينها، وبالتالي فالاقتتال بين الأسد والجماعات الأخرى سيمنع الحسم العسكري وانتصار فريق على آخر، ما يحتم على القوى الغربية أن تقود الأطراف المتقاتلة في سورية إلى حالة من الجمود، بحيث تدعم الطرف الخاسر، لكي يستمر في القتال، من أجل إطالة أمد الصراع.
وقد تجلى التطبيق العملي لهذه الرؤية، في طريقة دعم المعارضة، التي تم تزويدها بأسلحة لا تُمكّنها من تحقيق نصر حاسم سواء من خلال دعم مباشر لبعض الفصائل أو من خلال الداعمين الإقليميين، الذين لا تسمح لهم بالمقابل بتزويد المعارضة بأسلحة نوعية، إضافة إلى عدم السماح بإنشاء منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي أو حتى ممرات إنسانية، مع عدم السماح بمأسسة العمل العسكري لدى المعارضة، وتحويلها إلى مجرد فصائل يقودها أمراء حرب تابعين للدول الداعمة التي تتحكم بسير المعارك وتتمكن من خلق خلافات بين تلك الفصائل في الوقت الذي تريد. يقابل ذلك عدم السماح بسقوط نظام بشار الأسد، ودعمه بكل وسائل الاستمرار بالحد الأدنى، بالتزامن مع السكوت على نمو وتضخم التنظيمات المتطرفة من أجل استنزافها هي الأخرى في تلك الحرب.
وقد ظهر جلياً من خلال سير المعارك، التحكم الخارجي بكل أطراف الصراع، من خلال إيقاف الدعم في لحظات حاسمة أو اعطاء أوامر بالانسحاب من مناطق بالنسبة للمعارضة أو عدم تقديم غطاء جوي في حال عدم الرضا عن بعض المعارك بالنسبة للنظام. وتشير معطيات معركة الساحل التي تخوضها المعارضة، إلى أنها تسير حتى الآن بالحد الأدنى من تدخّل الدول الإقليمية الداعمة وحساباتها، الأمر الذي يفسر إحرازها تقدّماً نوعياً، نتمنى أن يستمر لأن المدنيين السوريين هم من يدفعون الثمن الأكبر لحالة الاستعصاء التي يريدها الأميركيون.