المعارضة الروسية من تظاهرة كبرى إلى اعتصامات فردية

19 ابريل 2015
اغتيال نيمتسوف حوّل تظاهرة سابقة لمسيرة وداع (فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن إعلام الكرملين نجح في الأوساط الشعبية الروسية بربط النشاط السياسي المعارض بأهداف مشبوهة تتمثل بزعزعة استقرار البلاد وإضعافها، ووصم الشخصيات المعارضة بالعمالة لجهات خارجية معادية للبلاد، ما جعل الكثير من الروس يتقبّلون فكرة منع المعارضة من الخروج في تظاهرات، وخصوصاً في وسط العاصمة موسكو، بل يتحمس بعضهم لمواجهتها. وفي هذه الظروف، وعلى الرغم من إخفاقات انتخابية عانتها المعارضة الروسية في العقد الأخير، ما زالت تعمل على إيصال صوتها، والاعتراض على سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الداخلية والخارجية، وهي تسعى لذلك للتظاهر اليوم الأحد.

وكانت قيادات في المعارضة الروسية قد أعلنت، في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، عن بدء التحضير للخروج في "تظاهرة غضب" في التاسع عشر من الشهر الحالي. كما أُعلن أنّ لجنة الأنشطة الاحتجاجية مع حزبي "بارناس" و"التضامن"، تقوم بالترتيبات والإجراءات اللازمة لخروج التظاهرة، وفقاً لما جاء في صحيفة "كوميرسانت".

وفي السادس من الشهر الحالي، أعلم منظمو التظاهرة سلطات موسكو عن نشاطهم المقرر، في مركز المدينة، بين ساحتي "تروبنايا" و"ريفوليوتسيا"، على أن يجري تجمّع وإلقاء خطب هناك، وعن أن عدد المشاركين المرتقب سيكون في حدود الثلاثين ألفاً. إلا أن سلطات موسكو لم توافق، كما في المرات السابقة، على قيام نشاط معارض في وسط المدينة، بخلاف المسيرات المؤيدة، واقترحت على المنظمين القيام بالتظاهرة في حي شوكينو في أطراف المدينة، الأمر الذي لم يُرضِ المعارضة ولم تقبل به، فأعلنت أنها ستنظم احتجاجاتها في قلب العاصمة بصرف النظر عن قرار السلطات، كما نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن ألكسندر ريلكين، أحد المنظمين من حزب "سوليدارنوست" (التضامن).

اقرأ أيضاً: مواجهة جديدة بين بوتين والمعارضة الروسية

وبالتوازي مع تداول أخبار عن أوامر لدى قوات الأمن باعتقال الناشطين في حال خروجهم وإحالة المنظمين مخفورين إلى القضاء، عادت موسكو الرسمية لتقترح حي شوكينو، وكررت المعارضة رفضها للاقتراح، عندها أُغلق النقاش بإعلان محافظة موسكو أنها لن تقدّم مكاناً آخر، بمعنى أنها لن تسمح بخروج التظاهرة في مركز العاصمة، مما يعني لجوء السلطات إلى توقيف من سيخالف تعليماتها.

أمام ذلك، أعلنت المعارضة أنها ستلجأ إلى المحكمة للاعتراض على قرار سلطات العاصمة. وأفادت إذاعة "صدى موسكو" أن العديد من أعضاء لجنة تنظيم المعارضة قرروا تغيير شكل الاحتجاج نحو الخروج فرادى، والقيام باعتصامات إفرادية في مركز المدينة، الأمر الذي لا يتطلب إذناً مسبقاً من السلطات.

وفي خطوة أثارت مخاوف المعارضة الروسية، وجعلتها تتحسب لخطوات أخرى مماثلة، قامت شرطة موسكو بمداهمة مكتب شبكة "أوتكريتايا روسيا" (روسيا المنفتحة) في موسكو وتفتيشه، وفق ما أعلنت الحركة على موقعها الرسمي. فيما أفادت مصادر الداخلية الروسية أن التفتيش جاء بعد التبليغ عن وجود منشورات وملصقات، وأشياء أخرى تدعو إلى القيام بأعمال متطرفة. ووفقاً لما تم نقله عن سلطات العاصمة فإن أعضاء حركة "روسيا المنفتحة" كانوا يخططون لتوزيع "منشوراتهم التحريضية" أثناء تظاهرة 19 أبريل/نيسان المعارضة.

وفي السياق، أفادت وكالة "تاس"، نقلاً عن مصدر في القوى الأمنية، أن "فحص المنشورات تم، وتبين بنتيجته أنها تحتوي على دعوات إلى أنشطة متطرفة". فيما علّق رجل الأعمال المعارض ميخائيل خودركوفسكي؛ المبادر إلى تأسيس هذه الحركة الاجتماعية السياسية، والذي أمضى قرابة تسع سنوات في السجن بتهم اقتصادية، على صفحته في "تويتر" على الأمر قائلاً: "السبب الحقيقي لتفتيش (مكتب) روسيا المنفتحة هو تصوير فيلم عن مكانة قاديروف في منظومة السلطة الحالية". وكان قد تم ربط تصفية المعارض بوريس نيمتسوف بإعداد تقرير مرفق بالأدلة، وبتصريحات أهالي جنود روس عن مشاركة الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية.

ومن الجدير بالذكر أن المعارضة الروسية كانت قد أعدت العدة للخروج في تظاهرة "الربيع"، في الأول من مارس/آذار الماضي، ورخص لها آنذاك للقيام بنشاطها في ضاحية مارينو في موسكو، إلا أن مقتل المعارض نيمتسوف، ليل السابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي، عطّل تلك التظاهرة فتم تحويلها إلى "مسيرة حداد"، انطلقت من ساحة "سلافيانسكايا" إلى جسر "موسكفوريتسكوي" الذي تمت تصفية نيمتسوف عليه على بعد أمتار من الكرملين. وتراوحت أعداد المشاركين في تلك التظاهرة، التي أقلقت الروس شعبياً ورسمياً إلى أن انتهت بسلام، بين عشرين ألفاً، وفق تقديرات النظام، وخمسين ألفاً، وفق تصريحات المعارضة.

وفي إطار التساؤل عن أفق المعارضة الروسية، وإمكانية نجاحها في كسب أنصار يوصلونها إلى البرلمان، وليس فقط في القيام بتظاهرات عرف النظام كيف يغرقها بأنصاره ويشتتها ويضيق على قياداتها، طرحت القيادية السابقة في "اتحاد القوى اليمينية" المعارض، ورفيقة نيمتسوف في مسيرته السياسية، إيرينا خاكامادا، على بوتين أثناء لقاء "الخط المباشر" الذي أجراه في السادس عشر من أبريل/نيسان الحالي، واستمر قرابة أربع ساعات، واختيرت خلاله بضع عشرات من الأسئلة ليجيب عنها الرئيس من حوالي ثلاثة ملايين سؤال؛ وفقاً لما يقول موقع الكرملين الرسمي، سؤالاً عما إذا كان بوتين مستعداً شخصياً للتهيئة لنضال المعارضة للوصول إلى البرلمان، بمن في ذلك أليكسي نافالني وميخائيل خودركوفسكي، فأجاب: "المعارضة التي تملك الحق والإمكانية للمشاركة في الحياة السياسية بصورة شرعية، بالطبع تستطيع وعليها فعل ذلك، وإذا ما وصلوا إلى البرلمان في الانتخابات القادمة، فهذا يعني أنهم يحوزون دعم الشعب، وبالتالي فنشاطهم يكتسب وضعية قانونية محددة، وحينها سوف يتحملون بالطبع المسؤولية عما يقترحونه".

وبانتظار ما يمكن أن تقوم به المعارضة الروسية التي تبدو عاجزة عن المبادرة إلى الآن، وفي إطار الحديث عن المسؤولية، يجدر التوقف عند استخدام منظّري السلطة الروسية لمصطلح "المعارضة النظامية" أو "الجهازية"، أي التي تشارك النظام في إدارة الدولة عبر وجود ممثليها في مؤسساته وأجهزته، وخصوصاً في البرلمان والمجالس المحلية. الأمر الذي يجعل كل معارضة سواها غير شرعية ومتهمة بالعمالة، ومرشحة للتضييق والملاحقة. فهل حقاً على المعارضة أن تكون مع النظام كي تكون معارضة؟

اقرأ أيضاً: روسيا: اتهام شيشانيين بقتل نيمتسوف يثير تساؤلات جديدة

المساهمون