المشهد الهستيري المصري

02 ابريل 2015
+ الخط -

كان من المفترض أن يكون عنوان مقالكم هذا "المشهد السياسي المصري" ولكنني، ومع الأسف وركاكة العنوان، لم أجد في مصر مشهدًا سياسيًا يمكن التحدث عنه، فكل ما هناك، هو نوبة من الهستيريا اجتاحت الجميع، حتى من كان الجميع يظن أنهم عقلاء!

فلندع الحديث في السياسة جانبًا الآن، فقد بات من الطبيعي أن ترى أحدهم يأخذ بثأره من كلب تشاجر مع صاحبه فدافع عنه، ثم قام ذلك الـ "أحدهم" بعمل محضر في القسم ومن ثم قضية لصاحب الكلب، وبعد محادثات "بهائمية" توصلوا إلى أن يتم التنازل عن القضية، مقابل أن يترك صاحب الكلب كلبه لينتقم منه ذلك "المعضوض" هو ورفاقه في عقله، وليس في جسده فقط.

أهم عنصر يجب أن يوجد عند أي كاتب، هو الخيال، وبصفتي أحد الكتاب، أجزم لك عزيزي القارئ، أنني يستحيل أن أتخيل، ولو عبثًا، أن من الممكن أن ينتقم كائن يظهر أمامنا في صورة إنسان، ويعلم الله وحده النوع الحقيقي له، من كلب، ما هذه السوريالية؟ لقد فاق هذا المشهد سوريالية لوحات الفنان المرحوم، مشيها المرحوم، الرحمة بتجوز على الحي والميت، فاروق حسني، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فوجب أن ننحني احترامًا وتقديرًا وإجلالاً، للقانون المصري العظيم، الذى يعاقب قاتل الحيوان بعقوبة عظيمة هي ستة أشهر حبس، حتمًا ستردع هذه العقوبة قاتل الكلب وتجعله ربما يكتفي بعد ذلك بقتل البني آدمين فقط.

فلنعود إلى حديثنا، الهستيريا وما أدراك ما الهستيريا، تتجلى هذه الهستيريا في الأغاني التي من المفترض أنها وطنية، فبعد مقتل المحامي كريم محمد داخل ديوان قسم المطرية في القاهرة نتيجة التعذيب والضرب المبرح الذي تعرض له، يفاجئنا النائب العام بقراره الأثير، حظر النشر، لتموت القضية مثلما ماتت قضية شيماء الصباغ "من ماتت وهي واقفة"، ويفاجئنا أيضًا محمد منير وأنغام بأغنيتهما العظيمة عن مصر، وأظنك إن كنت شاهدت أو سمعت هذه الأغنية، لا تدري عن أي مصر يتحدثان، ولكنها الوطنية، التي دفعتهم إلى تصوير مصر وكأنها فرح مليء بالبهاريج والأنوار والعاقبة عندكم في المسرات!

في أيامنا الغبراء هذه، صارت الوطنية صكوكًا تباع وتشترى، مثل العبيد أيام الجاهلية، فبمجرد التلفظ، ولو عبثًا، تلقي الاتهامات بـ "الخيانة والإخوانية" في وجهك، وكأننا نعيش في يوتوبيا التي لا يجب أن يعارض أحد حاكمها، لأنه مش مخلينا عايزين حاجة، فأكاد أجزم أن الشاعر الكبير حافظ إبراهيم لو كان حيًا في أيامنا هذه وقال قولته "وما أنت يا مصر بدار الأديب ولا أنت بالبلد الطيب" لنال أفظع الاتهامات وأقساها وأقصاها "قذارة"، أو كان صلاح جاهين، أحد آباء الوطنية المصرية من وجهة نظري، قال عن مصر قولته "باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء وأكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء" لكان قد تم اتهامه بما لا يصح قوله في هذا المقام، أما عن نجيب سرور، فأطلق لعنانك الخيال في ما كان سيحدث له، ربنا يرحمهم ويرحمنا أجمعين.


(مصر)

دلالات
المساهمون