المشخّصاتي: قفز على حواجز المونودراما

17 مارس 2016
(من العرض)
+ الخط -

يتحاشى الممثّل المسرحي الفلسطيني عامر حليحل إطلاق توصيف "مونودراما" على عمله الفني الجديد، "المشخّصاتي"، مكتفياً بتعريفه أنه "عرض كوميدي"، اشترك في كتابته مع شقيقه الكاتب علاء حليحل، والصحافي فراس خطيب.

يحاول حليحل، من خلال العرض، أن يجسّد "المشخّصاتي"، ذلك الوصف الحاطّ من الشأن الذي خلعه عليه والده متأثراً بالكثير من مجايليه، عندما أسرّ له الابن بأنه ينوي احتراف التمثيل. لكن حليحل يفعل ذلك طوال الوقت، من خلال إبراز قوة "التشخيص" الكامنة في الممثّل الذي كانه، وعبر أداء دور لا ينفكّ يراه موكولاً لفنان خشبة المسرح في مقابل الجمهور؛ دور النقد والكشف الذي يشكّل عصب التلقّي المسرحي.

يقدّم العرض شخصيات/ نماذج بشرية منسولة من واقع مخصوص، لكنها تتّسم بقدر كبير من التجريد، فيتصادم معها ويعرّيها. وعند نفاد العوامل الباعثة على ذلك، تتصادم ذات الممثل مع نفسها فتعرّيها.

لعل أهم ميزة في العرض أنه حرّ، من ناحية انتقاء المحتوى، فلا يقف أمام حدود، لكن دون التخلّي عن شرط الإخلاص لفن التمثيل التعبيري، والذي تمظهر، حتى الآن، في تجربة حليحل بكونه شرطاً لا استغناء عنه.

هذه الحرية مرهونة أكثر بخيار الفنان نفسه، تحديداً عندما يكون هذا الخيار متجنّباً الإسفاف الذي يُمارس بحجة دغدغة "الذوق العام" السائد، ومحتكماً إلى عدم الرهبة أو الريبة من ملامسة غير المألوف وكسر المحرّمات.

سُجّلت مآخذ كثيرة على عروض المونودراما العربية منذ انتشارها في مشهدنا المسرحي؛ منها أنها "ممتلئة" بالسرد، عدو المسرح اللدود، ومنها أن هذا الانتشار ترافق شيئاً فشيئاً مع نكوص الفعل المسرحي كفنّ جماهيري له دلالاته المدنية حواراً وتعدُّدَ أصوات وتواصلاً مباشراً مع المشاهد، يمتّعه ويحرّض فيه سؤال العقل إزاء مسائل الراهن وأسئلة المستقبل.

يأخذ بعض النقّاد على المونودراما أنها تؤسّس، حسب قولهم، لهروب المسرحيين أنفسهم من العمل الجماعي على الخشبة، ومن سؤال الوجود إلى محاولة "تفنين" تفصيلات أشخاص وحيدين على الخشبة، ومن الجهر بتعدّد الأصوات دفاعاً عن الحوار إلى التماشي مع مجتمعات ليس الحوار من شيمها.

رغم أن "المشخّصاتي" ليس مونودراما، يصعب القول إنه تحرَّر كلياً من عبء السرد، بيد أنه بسبب التزامه محاذير الدفع بالنص قُدُماً نحو فعل دراميّ ما، أفلح في أن يجسّد شخصيات العرض، أو بالأحرى في أن يشخّصها، بصفة التمثيل هنا "فعل تشخيص" لا أكثر.

في لحظات معيّنة، عندما كان الممثّل ينتقل إلى دور الراوي، ينتاب المتفرّج قلق من أن يضِلّ طريق العودة إلى الممثّل، لكنه سرعان ما كان يبدّد هذا القلق، فيعود أداؤه الفني ليملأ المسرح تمثيلاً، ويضبط حركته على إيقاع لعبة ذكية قرّر، على نحو مسبق، أن يخوض غمارها، لعبة تحيل الممثّل إلى "مشخّصاتي" لنماذج بشرية، فتأدّى عن ذلك أنها باتت بعد العرض منتهكة أكثر ممّا كانت قبله.



اقرأ أيضاً: مونودراما "المصوّر": أثقال الذاكرة في خمسين دقيقة

المساهمون