المساجد في قبضة الأمن التونسي

29 أكتوبر 2015
المساجد في قبضة الأمن التونسي (Getty)
+ الخط -
لم تمح من ذاكرة التونسيّين تلك الخطب التي كانت تصاغ في مقرّات وزارة الشؤون الدينيّة وأجهزة وزارة الداخلية في عهد المخلوع زين العابدين بن علي والتي تتحدّث إمّا عن إنجازاته أو محتفية بعيد الشجرة وعيد المرأة واليوم العالمي لتربية الحلزون، وكلّها كانت مشاهد مشوّهة تلقى، ليل نهار، في مساجد أراد القائمون عليها الإذعان للسلطة التي تتدّخل في الدين ولا تريد من يتدخّل فيها سواء كان من المسجد أو من المنظمات الحقوقية أو غيرها.


هذا المشهد الذي سقط كسقوط صانعه عبر شباب آمنوا أنّ الثورة يجب أن تقضّ مضاجع كلّ جهاز ساهم في بقاء الطاغية سواء كان دينيّاً أو سياسيّاً أو ثقافيّاً فقد عمد التونسيّون إلى تنصيب الأئمّة الذين يرضونهم بعيداً عن إملاءات السلطة التي انحصر دورها في تنظيم الشأن الديني عبر ضمان أن يكون لمن نصّب من الجماهير حاملاً لشهائد تأهّله لاعتلاء المنبر.

"خارج على السيطرة" أهمّ تهمة قد يعزل من أجلها إمام اعتلى منبر مسجد، ولم يعد على مسامع المصلّين إملاءات الوزارة والخطب الموحّدة التي تتناول في معظمها قصص الرفق بالحيوان والرضاء بالقليل والصبر على الأوضاع الاقتصادية المتردّية، وخصوصاً بروز ما يسمّى بأئمّة التحذير من الفتنة والخنوع للظلم.

كلّ هذا جعل من الشباب التونسي الرافض للإسلام الرسمي المنذر بالخراب والتطرّف الذي كاد أن يقضي على التجربة الديمقراطية في تونس يتصدّى لمحاولات التدجين التي تحدث تحت غطاء السلطة ومحاربة الإرهاب تلك العلّة والشمّاعة التي يلقى عليها كلّ ما لا يمكن تمريره ديمقراطيّاً.

تحرّك احتجاجي أمام وزارة الشؤون الدينيّة ومظاهرة كبرى شهدتها مدينة صفاقس إلى جانب منع صلاة الجمعة في أحد مساجد المدينة بإمامة الإمام المنصّب من الوزارة، وهو ما أثار حفيظة السلطة التي أصدرت بلاغاً تذكّر فيه بحرمة منع صلاة في المسجد علماً، وأنّها قامت قبل أشهر بغلق ثمانين مسجداً تحت ذريعة "الخروج على السيطرة ".

سيطرة تعوّد التونسيّون مساوئها لذلك قام المؤسّس الدستوري بالتنصيص في الفصل السادس من الدستور التونسي: "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي".
وهنا كان للمؤسّس الدستوري بُعد نظر في دورالمساجد فيما يتعلّق بالتوظيف الحزبي لدور العبادة، فلم يغفل أن يكون لها دور سياسي، كما كان لها دور في الثورة التونسيّة، وما بعدها من تأطير للشباب الثائر، وخصوصاً عدم التدخّل في الصراعات الحزبية والدعاية لأحزاب بعينها، وهو ما لم نجده في تجارب مماثلة من دول الربيع العربي والتي أقحمت فيها المساجد في الصراع الحزبي.

(تونس)
المساهمون