المزارعون والأرض والغاز

07 فبراير 2018
للأرض في الأردن أهمية قصوى (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
عشرة أيام مضت والمزارعون الأردنيون يواصلون زرع أنفسهم على الرصيف المقابل لمجلس النواب، في تحدٍ "شجاع" لمحاولات الحكومة اقتلاعهم من الأرض والمزارع التي تؤمّن للأردنيين الغذاء، ومن مهنتهم التي لا يعرفون غيرها. عشرة أيام مضت والحكومة تواصل صلفها برفض التراجع عن الضريبة التي فرضتها على إنتاج القطاع الزراعي، بهدف رفد خزينة الدولة "الفقيرة" ببضعة ملايين من الدنانير، على حساب مستقبل مئات آلاف المزارعين والعاملين، وكذلك على حساب مستقبل الأمن الغذائي لهذا البلد.

بين دفاع المزارعين عن أرضهم وأبقارهم وأغنامهم ودواجنهم، الذي يحمل في ثناياه دفاعاً عن غذاء الأردنيين، وبين دفاع الحكومة عن الخزينة التي لم يعد يتلمس المواطنون أثرها على حياتهم أكانت خاوية أم ممتلئة، تكمن مساحة الفرق بين المنتمين للوطن والمنتمين للمناصب التي تدوم بدوام الرضا. للأرض في الأردن، دور محوري في تشكيل ضمير الشعب، وتشغل وما تزال رغم كل محاولات التدمير الرسمي، قيمة لا تضاهيها قيمة، فهي دليلهم، ليس على الثراء، بل على الانتماء والتضحية والشرف والفداء والكرامة، وهي مخزن ذكرياتهم، ورافعة تطورهم، وعليه فإن المساس بالأرض يمثل مساساً ببناء الشخصية الأردنية.

ليس من الاتهام في شيء الادعاء أن لدى الحكومة مخططاً سرياً لتدمير ما تبقى من الأرض والزراعة، فهي لا تكتفي بإشاحة النظر عن المزارعين المعتصمين، بل تواصل تنفيذ الجزء الأكثر خطراً في مخططها. تشرع الحكومة حالياً في تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز "الإسرائيلي" الذي سيخترق كأفعى قاتلة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، استملاكاً واستئجاراً، من دون أن يمنح أصحابها حق الاختيار.

وتتعاظم المرارة، فالمشروع لا يخطط لالتهام الأراضي فقط، بل يراد منه أن يلتهم الذاكرة والمشاعر الوطنية التي ارتبطت بمساحة كبيرة من الأرض التي فرض عليها المشروع، حين يلوث الغاز "الإسرائيلي" تاريخ تضحياتها وتضحيات من عليها في وجه آلة الدمار الإسرائيلية التي استهدفتها خلال الحروب العربية - الإسرائيلية. ماذا أبقت السياسات الحكومية للمزارعين من أسباب العيش؟ وماذا ستبقي للأراضي المستهلكة والمستأجرة من أسباب الكرامة؟ وماذا سيبقى للأردنيين حين يجدون أنفسهم يتوسلون الغذاء والغاز من العدو؟ لا شيء.
المساهمون