المرزوقي... السياسة نضال

30 يونيو 2015
+ الخط -
في عام 2010، بعد أيام من جريمة إسرائيل بحق الركاب الأتراك على متن سفينة مافي مرمرة، سرّب رئيس الحكومة التركية في حينها، رجب طيب أردوغان، ما مفاده بأنه يفكر بالاتجاه شخصياً على رأس أسطول تركي عسكري لكسر الحصار عن قطاع غزة بالقوة. في حينها، اندرج التسريب في خانة الحرب الكلامية التي شنتها أنقرة ضد دولة الاحتلال. حرب ظلت لفظية دبلوماسية، فلا أردوغان اتجه إلى غزة على متن أسطول، ولا بلاده ذهبت أبعد من تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب ودعم القضية الفلسطينية دولياً وسياسياً واقتصادياً، على أهمية تلك الخطوات.

ما طرحه أردوغان قبل 5 سنوات، فعله الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي بركوبه سفينة ماريان التي قرصنتها قوات الاحتلال، من دون شعبوية أردوغان ولا صراخه ولا عسكره. الرجل الذي مرّت أشهر قليلة على خروجه من قصر رئاسي فخامته الزائدة عن اللزوم كانت مزعجة بالنسبة لتواضعه هو ربما، يقدم نموذجاً منسياً لمفهوم الشخص العامِل في السياسة. مفهوم يقوم على أن الرئيس والوزير والمسؤول بشكل عام، إن لم يقترن خطابه بسلوكِ مناضِلٍ، يكون فاقداً لقيمة أساسية في تعريف السياسة والمسؤولية التي شوهتها ممارسات حكام اليوم والعالم العاجي الذي يقطنونه.

ما قام به المرزوقي بمغامرة الوقوع في الخطف على يد قوات الاحتلال، وفي تعريض حياته لخطر الموت حرفياً، يكرّس الخط الرفيع الذي يفصل الشعبوية عن السلوك السياسي المناضِل. أغلب الظن أن المرزوقي هو مَن أراد أن تتعاطى تونس الرسمية مع ركوبه سفينة ماريان المتجهة إلى غزة، على أنه يشبه ركوب أي مواطن تونسي آخر متن الأسطول. في المقابل، قد يكون الرجل أراد استغلال منصبه كرئيس سابق للجمهورية فقط لتأمين حماية معنوية ما للسفينة وللركاب على متنها، علّ رمزية منصبه وسمعته وعلاقاته الدولية توفّر على الناشطين الفلسطينيين والعرب والأجانب من ركاب السفينة، جريمة جديدة في عرض البحر.

على الأرجح، لن يكون المرزوقي، بسلوكه اليوم، سعيداً أن يقرأ عن نفسه أنه ينتقل من وضعية الرئيس إلى وضعية المواطن المناضل، فهو أقرب إلى أن يكون من مدرسة تؤمن بأن الرئيس والمسؤول عموماً هو مواطن مناضل أولاً وأخيراً.