تشير دراسة دولية صدرت أخيراً حول "منع الصراعات وتحويل العدل وتأمين السلام" إلى أن مشاركة المرأة في مفاوضات السلام وعمليات حفظها تطيل وتديم عملية السلام في مناطق النزاع. وقد أعدّت الدراسة بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وبدعم من مجموعة استشارية مؤلفة من خبراء في المجال. وعرضت في أثناء مناقشة مجلس الأمن الدولي في نيويورك أخيراً القرار 1325 ومدى تنفيذه والاستفادة منه، في ذكرى مرور 15 عاماً على إصداره. وهذا القرار يهدف إلى العمل على توسيع إشراك النساء في عمليات حفظ السلام والوقاية من النزاعات المسلحة وعمليات الإعمار، بالإضافة إلى المفاوضات.
في هذا السياق، تبنى مجلس الأمن القرار رقم 2242 في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، الذي جاء مكملاً للقرار 1325 ويتضمن مجموعة من الإجراءات لضمان تنفيذ أفضل له. ومن بين الأمور المثيرة التي أشارت إليها الدراسة هو أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، لا يستفيد من قيادة النساء ومشاركتهن في إحلال السلم والأمن، على الرغم من أن مشاركتهن تؤدي إلى تحسين الاستجابة للجهود الإنسانية وتعزيز الحماية واستدامتها وتعزز كذلك الانتعاش الاقتصادي وتساعد على التصدي للتطرف العنيف.
وأتت النقاشات والندوات التي عقدت في الأمم المتحدة لتبحث سبل تمكين المرأة وإشراكها بشكل أفضل، من أجل تنفيذ بنود القرار 1325 وأهداف إضافية أخذتها الأمم المتحدة على عاتقها حول تمكين المرأة والتنمية المستدامة. وشاركت قياديات في منظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نقاشات رسمية وغير رسمية، في محاولة لإسماع صوت الناشطات النسويات على الأرض. في ندوة عقدت على هامش النقاشات الرسمية، تحدثت مجموعة من النسوة العربيات من المغرب والسودان وسورية وفلسطين وليبيا عن الوضع المأساوي الذي تعاني منه المجتمعات العربية عموماً والنساء خصوصاً، وعلى وجه التحديد في دول كسورية والعراق وليبيا في ظل ظهور "داعش" أو حكم أنظمة شمولية أو قوى الاحتلال كما هي الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
اقرأ أيضاً: أميركية على فئة العشرة دولارات
وحول نضال النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، تقول المديرة التنفيذية لمؤسسة "مفتاح" في القدس ليل فادي لـ "العربي الجديد"، إن "المجتمع الفلسطيني بنسائه ورجاله يعاني من الاحتلال، لكن ثمة ظروفاً خاصة تعاني منها النساء. على سبيل المثال لا الحصر توقيف النساء الحوامل على الحواجز ومنعهن من الوصول إلى المستشفيات، وقد يتوفين، هنّ حديثو الولادة عند تلك الحواجز. وإذا أردنا أن ننهي الاحتلال، علينا أن نكافح في الوقت ذاته من أجل مساواة في الحقوق داخل المجتمع".
وتشير فادي إلى "مشكلة إضافية وهي أن النساء يشتركن بالكفاح جنباً إلى جنب مع الرجال ويدرن العائلة عند غياب أزواجهن، مثلما حدث في الانتفاضة الأولى مثلاً. لكن عندما نشهد فترات سلام، تغيّب النساء ويُتوقع منهن العودة إلى دورهن التقليدي على الرغم من اشتراكهن في الكفاح جنباً إلى جنب مع الرجال". تضيف أن "ثمة تغييبا للنساء عن المشاركة، حتى في المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حركتَي فتح وحماس". وتتحدّث عن "مبادرة نسائية تشكلت في يونيو/ حزيران الماضي، تهدف إلى العمل على تكثيف جهود النساء من أجل التوصل إلى مصالحة فلسطينية وإنهاء الانقسام الذي أدى إلى إضعاف الموقف الفلسطيني وكفاحه في وجه الاحتلال ومن أجل زواله". وتلفت فادي إلى أن "قرار مجلس الأمن 1325 أهمل وضع النساء تحت الاحتلال وكذلك النساء اللاجئات، ومن المهم الإشارة إلى خصوصية هذه الأوضاع في جميع الاتفاقيات والمبادرات التي تعمل الأمم المتحدة على تحقيقها وتنفيذها".
أما رئيسة "ملتقى سوريات يصنعن السلام" منى غانم، فتقول لـ "العربي الجديد" إن "الإشكالية الكبيرة التي نواجهها هي أن كل طرف في المجتمع الدولي يستمع إلى الصوت الذي يريده في سورية. ما نحتاج إليه من الأمم المتحدة هو أن تكون أكثر فعالية في تمكين النساء وانخراطهن في المحادثات. والنساء كنّ في الطليعة عند بدء الثورة السورية، لكن المجتمع الدولي باختلاف تشعباته دعم الحركات المتطرفة ولم يقدّم المساعدة الكافية لهنّ، حتى الهاربات من ويلات داعش أو النظام. هنّ رمين في مخيمات اللجوء، بالإضافة إلى ما عانينه من اتجار بهنّ". وتشدد غانم على أن "الصراع في سورية يحتّم على المجتمع الدولي إعادة النظر بمعاهدات وقرارات لا ترتبط حصراً بالقرار 1325، بغية حفظ حقوق الإنسان في الواقع الجديد المأساوي الذي خُلق في سورية ودول أخرى".
وتبقى المشكلة الرئيسية في منظومة الأمم المتحدة عموماً وفي ما يخص النساء خصوصاً، أن الحكومات المسؤولة عن اضطهاد النساء قانونياً واجتماعياً هي نفسها التي تطالبها الأمم المتحدة بتطبيق تلك القرارات، من دون أن تجد آليات لمحاسبتها، بالإضافة إلى معاناة الأمم المتحدة نفسها من مشكلات منهجية تجعلها جزءاً من المشكلة.
اقرأ أيضاً: نيويورك ليست لجميع أهلها