المدينة الضائعة

09 فبراير 2015
+ الخط -
حدث أمرٌ جميلٌ نادرٌ العام الماضي في أرض السواد، في العراق. إذ أقامت وزارة الثقافة العراقية معرضاً لأعمال فنّية لفنانين عراقيين. القصّة ليست في المعرض، بل في تلك اللوحة: "المدينة الضائعة" للفنان ضياء العزاوي. كان الظنّ أنها ضاعت بعد كلّ السرقات والتخريب الذي طال العديد من المتاحف العراقية عام 2003، حين غزت أميركا بلاد الرافدين.
كانت "المدينة الضائعة" التي رسمها العزّاوي ستضيع فعلاً لا مجازاً، إذ حاول لصوص الآثار المتاجرة بها في إحدى المناطق العربية، بيد أن شرطة الأنتربول، تعرّفت إليها، فتمّ إرجاعها إلى أرض السواد، إلى مكانها في المتحف.
اللوحة الغرافيك أنجزها العزاوي عام 1970 من القرن المنصرم، ومن الممكن ببساطة لمسُ أثر العامل المحلي فيها، بل ورؤيته رأي العين. لا يحتاج الناظر إليها إلى ثقافة رفيعة ليعرفها عملاً فنياً عربياً. سرّها ليس سرّاً: حروف الضاد هويّتها.
العزاوي من المساهمين في إنشاء "جماعة البعد الواحد" في عام 1971، التي اهتمّت بالحرف العربي والكتابة العربية، لكن من خلال لغة تعبيرية لا تتمسّك تماماً بالشكل الأصلي للخط العربي. من يهتم برسم الحروف العربية واقتباسها في لوحاته، يُسمّى في بلاد العرب "الحروفي" من أجل تمييزه عن الخطّاط، المهنة العربية الشهيرة: "منذ بداياتي الأولى كنت أعتبر الحرف أحد مكوّنات اللوحة ليس إلا، لم يضعوني في خانة الخطاطين"، يقول ضياء.
تنتمي لوحة الغرافيك "المدينة الضائعة" إلى المرحلة الأولى من مسيرة ضياء العزاوي الفنية، حيث كان يرى العلاقة مع التراث والعامل المحلي، أمراً أساساً في عمله الفنّي. مع ذلك، ورغم التطوّر الهائل في عمله، إلا أن تلك البدايات التي تبدو بعيدة جداً اليوم، تحمل في طيّاتها سمةً مميّزة ورئيسة في عمل العزاوي.
قوّة التكوين في اللوحة، الكيفية التي تتوّزع من خلالها عناصرها، تناغم الألوان وتنافرها؛ الأزرق والأصفر والأحمر، أي الألوان الأساس لكل لون في الوجود، هي الحاضر المهيمن. ومن خلف اشتباكاتها، أسودُ وفيرٌ كالصفة في لقب "أرض السواد".
الكتلة الرئيسة عرضية وفي منتصف اللوحة تقريباً. ثمة تداخل بين الألوان الثلاثة، حدوده حروفٌ عربية وغير عربية، إذ إن الناظر، مهّما أغرته الحروف ليقرأها، سيبعده التكوين البصري عن هذه العادة، ليرى الحرف علامة وإشارة تختزن في طيّاتها تراثاً عربياً.
فوق الكتلة، على مبعدة منها صوب الأعالي، دائرة كاملة، لا يظهر إلا نصفها، يتشابك فيها اللونان الأصفر والأزرق، لكأنّها قمر أو شمس، تطلّ على "المدينة الضائعة" التي تبدو كذلك بسبب الفراغات السوداء بين الكتلة الكبيرة وشظاياها إن صحّ التعبير.



المساهمون