ضمان الوظيفة
يُعتبر التوجّه نحو المدارس العليا للأساتذة من قبل الطلاب خيارًا مبرّرًا كون هذه الأخيرة تضمن لجميع المتخرّجين منها مناصب عمل، فبمجرّد نجاح الطالب في السنة الأولى في المدرسة وانتقاله للسنة الثانية يقوم بتوقيع عقد العمل مباشرة ليلتحق بمنصبه فور تخرّجه وحصوله على الشهادة.
وأصبح الالتحاق بالمدارس العليا للأساتذة حلم الطلاب الناجحين في البكالوريا وسبيلهم للنجاة من شبح البطالة الذي يعاني منه مئات الآلاف من حاملي الشهادات الجامعية في مختلف التخصّصات، وهو الأمر الذي جعل العديد من الطلاب الذين سجّلوا في تخصّصات بإحدى كليات الجامعة لأنهم لم يتحصّلوا على معدل بكالوريا يؤهّلهم للدخول إلى هذه المدارس، يقومون بتجميد تسجيلهم بالجامعة وإعادة اجتياز امتحان البكالوريا طمعًا في الحصول على معدّل أعلى وتحقيق رغبتهم في دخول إحدى هذه المدارس.
ومن المنتظر أن تعرف معدّلات القبول في المدارس العليا للأساتذة، التي يبلغ عددها 11 مدرسة موزّعة على مختلف مناطق الوطن، ارتفاعًا ملحوظا مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك بسبب انخفاض عدد المناصب المتوفّرة في قطاع التعليم العالي بعد توظيف مئات الآلاف من الأساتذة خلال السنتين الماضيتين في قطاع التربية والتعليم في إطار مسابقات التوظيف. وعليه فإن تراجع عدد مناصب التوظيف المتوفّرة سيفرض تقليص عدد المقاعد البيداغوجية التي توفّرها المدارس العليا، والتخصّصات التي كان بإمكان الطالب المتحصّل على معدل 14 من 20 دراستها سابقًا في المدرسة قد لا يكون بإمكان صاحب معدّل 16 من 20 التسجيل فيها.
معدّلات قبول مرتفعة جدًا
وعلى عكس المدارس العليا للأساتذة، فإن معظم المدارس الوطنية العليا في الجزائر لا تضمن مناصب عمل للمتخرّجين منها، ورغم ذلك تسجل معدّلات قبول مرتفعة جدًا سنويًا، نظرًا لإقبال الطلاب المتفوّقين عليها بشكل كبير مقابل عدد المقاعد المحدودة.
ومن بين هذه المدارس التي يبلغ عددها 20 مدرسة في الجزائر، تستقطب المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي الطلاب الأوائل في شهادة البكالوريا سنويًا وبمعدّلات عالية خلال السنوات الأخيرة، لا تقل عن 16 من عشرين، ووصل معدّل القبول في المدرسة في سنة 2010 بالنسبة للمتحصّلين على بكالوريا تخصّص تقني رياضي ورياضيات إلى 17.16، في حين كان معدل القبول لحاملي شهادة البكالوريا علوم تجريبية 18.02 من عشرين، وهي معدّلات لم تحقّقها الكليات الجامعية بما فيها كليات الطب، الصيدلة والهندسة وغيرها من التخصّصات التي كانت تستقطب المتفوّقين، وهو الأمر نفسه الذي حدث في بكالوريا 2011 و2013.
وعلى مستوى المدرسة الوطنية العليا لعلوم الغذاء والصناعة الغذائية الفلاحية، فقد وصل معدل القبول السنة الماضية إلى 16/20، علمًا أنها توفّر ما يقارب 650 مقعدًا بيداغوجيًا، الأمر نفسه بالنسبة للمدرسة الوطنية العليا للبيطرة التي تراوحت معدّلات القبول للالتحاق بها منذ سنة 2010 إلى الآن ما بين 13.5 و15، في حين تبقى معدّلات التسجيل في تخصّص البيطرة في الجامعة في حدود 11 من عشرين. المدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام هي الأخرى فرضت هذه السنة معدل قبول 14 لحاملي شهادات البكالوريا الجدد، في أوّل دفعة لها.
خيارات مرتبطة بسوق العمل
صحيح أن هذه المدارس لا توفّر في الحقيقة مناصب عمل مضمونة للمتخرّجين منها، إلا أنها تتوفر على مؤهلات تجعل الطلاب المتخرّجين منها يحصلون على فرص عمل أوفر وامتيازات في سوق التوظيف أكثر من الآخرين، سواء من حيث نوعية التكوين العلمي الذي يعتبر نوعيًا مقارنة بدراسة التخصّص نفسه في الجامعة، وهذا مرتبط غالبًا بعدد المقاعد المتوفّرة المحدود، والأهمية الكبيرة التي يوليها مدراء المدارس لسمعتها والعمل على إبراز تفوّق طلابهم وقدرتهم على المنافسة.
وبالنظر إلى التوجّه نحو المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي، نجد أنه يتزامن مع نمو الوظائف المتعلّقة بالإعلام الآلي في الجزائر، وزيادة الطلب على المهندسين المختصّين في صيانة وبرمجة الكمبيوتر وتكنولوجيات الإعلام الآلي والمهن المتعلقة بها في معظم المؤسّسات والشركات العاملة في الجزائر.
الأمر نفسه ينطبق على المدرسة الوطنية العليا للصناعة الغذائية التي تمنح شهادة مهندس مختصّ في الصناعة الغذائية، وهو القطاع الذي يشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة بالجزائر، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 17 ألف مؤسّسة عمومية وخاصّة، و20 ألف مشروع استثمار فلاحي وصناعي غذائي بقيمة 200 مليار دينار جزائري، مسجّل منذ سنة 2010، حسب ما جاء في تصريح لمديرة المدرسة مريم بن مهدي، خلال السنة الجارية.
ويتوقع الطلاب عند اختيارهم لهذه المدرسة زيادة الطلب على المهندسين المؤهّلين في هذا المجال من قبل المؤسّسات للعمل على مراقبة الجودة والتحليل الغذائي وعمليات الحفظ والتعبئة الغذائية، خاصّة أن مهن التعبئة غير موجودة في الجزائر، كما أن الحاصلين على الشهادة من هذه المدرسة يمكنهم العمل في مناصب متعلّقة بمراقبة وتسيير النوعية والبحث والتطوير وإنتاج أو شراء المواد الأوّلية على مستوى مؤسّسات الصناعة الغذائية ومصالح مراقبة وقمع الغش بوزارة التجارة وغيرها.
وفي مجال الصحافة، نجد أن توجّه الطلاب نحو المدرسة العليا للصحافة وعلوم الإعلام متعلق أيضًا بمتطلبات سوق العمل، حيث توفّر المدرسة تخصّصات مرتبطة بسوق العمل، مثل الصحافة التطبيقية والصحافة الإلكترونية والعلمية والسمعي البصري، وهي تخصّصات جديدة تم فتحها من أجل تلبية حاجات السوق والمؤسّسات الإعلامية مع انتشار المواقع الإلكترونية الإخبارية وفتح القنوات التلفزيونية الوطنية الخاصّة.
اتفاقيات تعاون
ولعل من أبرز المحفّزات التي تدفع الطلاب المتفوّقين نحو المدارس العليا، ما تقوم به هذه الأخيرة من توقيع اتفاقيات تعاون مع المؤسّسات والشركات الناشطة في القطاع، وبالتالي منح الطلاب فرصا أكبر للحصول على وظائف في بعض هذه الشركات فور تخرّجهم من المدارس، وربّما الأمر الذي يجعل اتفاقيات التعاون بين المدارس والمؤسّسات أكثر فاعلية مقارنة بتلك التي توقّعها الجامعات، الاعتقاد الذي يحمله أصحاب الشركات بأن طلاب المدارس يتلقون، إلى جانب تكوينهم النظري، تكوينًا تطبيقيًا أكثر من غيرهم، وبالتالي فإنهم يكونون أكثر استعدادا لخوض تجربة العمل مباشرة.
ومن الأمثلة المتميّزة في مجال التعاون هو ما حققه طلاب المدرسة الوطنية العليا للإعلام الآلي، الذين ينظمون في إطار نادي علمي سنويًا "صالون التوظيف" بالتعاون مع مؤسسات الاتصالات التي تربط المدرسة بها اتفاقيات، وهي التجربة التي نجحت في توظيف العديد من طلاب المدرسة لدى مختلف متعاملي الهاتف النقّال.
على مستوى المدرسة العليا للصناعة الغذائية أيضًا، يستفيد الطلاب من فرص تبادل الخبرات، نتيجة اتفاقيات التعاون التي وقعتها المدرسة مع مدارس أجنبية مماثلة في إطار تبادل الخبرات والتكوين والتعاون العلمي والتقني، وأربع مؤسّسات خاصّة تنشط في مجال الصناعات الغذائية، منها صناعة المنتجات شبه الصيدلانية، صناعة المكمّلات الغذائية وصناعة مستحضرات التجميل.
المدرسة العليا للصحافة وعلوم الإعلام هي الأخرى تربطها اتفاقيات شراكة مع أكبر المؤسّسات الإعلامية في الجزائر سواء الناطقة باللغة العربية أو الفرنسية، حيث تقوم بتوجيه طلابها لإجراء "تربّصات" على مستوى أحد مكاتب هذه المؤسّسات بجرائدها وقنواتها التلفزيونية، بالإضافة إلى برمجة ورشات تدريبية ولقاءات مع مسيريها ومنح الطلاب فرصة للتواصل وبحث إمكانية الحصول على وظيفة بها.
ويبقى الدخول إلى المدارس العليا في الجزائر من أهم ما يحلم به الطلاب رغم النظام التعليمي الصارم الذي تتميّز به، ففي حال إعادة الطالب للسنة الأولى أو الحصول على علامة إقصائية يتمّ فصله من المدرسة العليا للإعلام الآلي، بينما تمنح المدارس العليا للأساتذة الحقّ في الإعادة مرّة واحدة للطالب وفي حال الإعادة للمرّة الثانية يتم فصله من المدرسة.
هذا، ولا يكفي حصول الطلاب على معدّلات البكالوريا لدخول إحدى المدارس مباشرة، حيث تفرض بعض المدارس اجتياز مسابقة الدخول، ففي المدرسة العليا للأساتذة يتحتّم على الطلاب الذين تم قبولهم إجراء المقابلة الشفهية لتأكيد التحاقهم بالمدرسة، وفي المدرسة العليا للصناعة الغذائية يجتاز الطلاب المرشّحون مسابقة كتابية، وهو القانون الذي تعمل به العديد من المدارس الأخرى.