كتب المؤرخ الأميركي وول ديورانت في عمله "قصة الحضارة"، عن ولع الثقافة الإسلامية في قرونها الأولى بالكتب، فقال إن الشغف باقتناء الكتب والمخطوطات لم يبلغ في بلد آخر من بلاد العالم ـ إلا الصين ـ ما بلغه في بلاد الإسلام في هذه القرون، حين وصل إلى ذروة حياته الثقافية، مبيناً أن عدد العلماء في آلاف المساجد المنتشرة في البلاد الإسلامية من قرطبة إلى سمرقند لم يكن يقل عن عدد ما فيها من الأعمدة.
ووصفت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في مؤلفها "شمس العرب تسطع على الغرب" إقبال العرب على الكتب والمخطوطات بأنه يشبه إلى حد كبير شغف الناس اليوم باقتناء السيارات والإلكترونيات، وأوضحت أنه وكما يقاس ثراء الناس اليوم بمقتنياتهم المادية، قَدّر الناس في العصر الممتد من القرن التاسع عشر حتى القرن الثالث عشر الثراء بما يملكون من كتب أو مخطوطات.
لكن ومع ما مرّ على المنطقة من غزاة وحروب واستعمار وتفكك، فقدت الكثير من المخطوطات التراثية؛ فإما أنها أحرقت كما يروى عن حرق هولاكو لـ 24 ألف مخطوطة في بغداد، ثم إتلاف ثمانين ألف مخطوطة عند سقوط غرناطة، واستمر فقدان المخطوطات وأخذ أشكال عدة، فتوزعتها مكتبات المستعمرين ومتاحفهم.
ووسط هذه الخسائر الثقافية، برزت دعوات للمحافظة على التراث العربي لا سيما في عصر العولمة، فأصبح الاهتمام بالمخطوطات العربية يأخذ شكلاً مؤسساتياً، من هنا يأتي الإعلان عن "مؤتمر المخطـوط العربي الواقع والآفاق" الذي ينعقد في الجزائر يومي 19 و20 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
كشف المنظمون عن المحاور التي يقترحها للمناقشة، داعين الباحثين والأكاديميين العرب والأجانب إلى تقديم طلبات المشاركة بعناوين تقع ضمن الثيمات التي يهتم بها.
تسعى إشكاليات المؤتمر في البداية إلى تشخيص علمي صحيح لوضعية المخطوطات في العالم العربي والإسلامي وتحقيقها. وكيف يُنظر رسمياً إلى أهمية تحقيقها والحفاظ عليها، وما مستوى تصنيف هذا العمل من الزاوية المعرفية لدى الهيئات العلمية الأكاديمية.
وبعد دراسة واقع المخطوطات اليوم في المؤسسات الرسمية والأكاديمية، يتناول الباحثون الوسائل التي يمكن من خلالها تطوير تحقيق المخطوطات، وإن كان يمكن اكتشاف ما هو جديد في مادة العلوم والآداب من خلال عملية التحقيق هذه.
من جهة أخرى، يتساءل المنظمون إن كان يمكن اعتبار ضعف المستوى المعرفي في ميادين البحث العلمي مردّه عدم الاهتمام بتراثنا العلمي والتركيز على ما يأتي من الخارج.
وإن كانت محاور الملتقى الدولي تبدأ بالبحث في واقع المخطوطات اليوم، فإنها تسعى إلى استكشاف إمكانيات إنشاء قاعدة بيانات وطنية ودولية تهتم بضبط وضعية المخطوطات المنتشرة عبر العالم العربي والإسلامي، وإن كان يمكن الاتفاق على وضع استراتيجية عامة للتعريف بمراحل تحقيق ودراسة المخطوطات تعتبر كخارطة طريق للباحثين والمهتمين.