المخدرات في موريتانيا: كوكايين السلطة وحشيش الفقراء

21 يناير 2017
(أسواق موريتانيا، تصوير: نيكولا تيبو)
+ الخط -


لطالما ارتبطت ظاهرة تعاطي المخدّرات بتردّي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمدمنين، وذلك سعيًا منهم للتخفيف من قساوة واقعهم عبر الرحيل ذهنيًا عنه، بأخذ جرعات يُمكنها أن تحدث فصلًا مؤقتًا بينهم وبين ذلك الواقع البائس. لذلك يمكن اعتبار هذا التفسير، بخلفيّته السيسيولوجيّة العامة، قادرًا على المساعدة في فهم ما يتعلّق بالمجتمعات التي تعاني من تدنّي مستوى المعيشة وغياب الحقوق الإنسانية.

في موريتانيا، يبدو أن تردّي الحالة المعيشيّة يصبح دافعًا قويًا في كثير من الأحيان لتعاطي المخدّرات، خاصّة عند الشباب في الأحياء الفقيرة. فأسبابٌ كثيرة كالبطالة والفقر وغياب واقعٍ بديل، تدفع هؤلاء الشّباب إلى البحث الدؤوب عن المخدّرات، كترياقٍ من شأنه أن يخفّف من حالة التهميش التي يعيشونها اجتماعيًا ونفسيًا.

فعلى الرغم من التأكيد المستمرّ للسّلطات الرسميّة على وجود نسبة عاليّة جدًا من المدمنين في أوساط الشباب، فإنّ غياب إحصاءاتٍ دقيقة يبقى عائقًا كبيرًا أمام تحديد تلك النسبة، ويرجع ذلك لانعدام مراكز بحثٍ مختصّة بقضيّة المخدّرات، والتي أصبحت في السنوات الأخيرة مُشكلًا اجتماعيًا حقيقيًا، تفاقم خوف السكان من تأثيره السلبيّ على الأطفال والشّباب في المؤسّسات التعليميّة. ويبدو الوضع في نظر المعنيّين بقضايا التربيّة والمجتمع المدني في البلاد مُقلقًا جدًا، خاصّة مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ فئة الشباب تشكّل نحو 70% من مجموع السكان في البلاد.

يرى الشاب المهاجر محمد، والذي كان يتعاطى أنواعًا من الحشيش والأقراص المخدّرة، أنّ أبرز دافعٍ لتعاطي المخدّرات في أوساط الشباب الموريتانيّ ينحصرُ أساسًا في إحباطهم من واقعهم الاجتماعيّ والاقتصاديّ، وذلك على ضوء حالته الشخصيّة، عندما كان يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصاديّة قبل ثلاث سنوات من الآن. ففي ذلك الحين، يقول في حديث إلى "جيل"، "كان الحشيش بمثابة باعثٍ ساعدني على احتمال الحياة، بعد اقتراحٍ من صديقٍ جرّبه قبلي".


حشيش للفقراء
يعدّ الحشيش من أبرز أنواع المخدرات تداولًا في موريتانيا، نظرًا لسهولة الوصول إليه بأمان؛ فالمتعاطون يتداولونه بينهم بعد أن يكون قد وُزّع تجاريًا عبر قنواتٍ خفيّة. حتى إن حالات الاشتباه التي تصدرها المفوضيّات البوليسيّة، تتعلّق غالبًا بالحشيش أو القنب الهندي. وسبب ذلك هو كثرة تداول هذه النوعية في مقابل أنواع أخرى تعتبرُ أكثر غلاءً وندرة مثل الكوكايين والهيروين. مع العلم أنّ الشباب الفقراء، في الهوامش الشعبيّة، يقومون أحيانًا بصنع تركيباتٍ شبه بدائيّة ذات تأثير مخدّر، عندما لا تتوفّر لهم إمكانية امتلاك الأنواع المعهودة، وغالبًا ما تعتمدُ تلك التركيبات الخاصّة عند هؤلاء الشباب المُعدمين على مادة الصباغة الجافة والعطور.

في هذا السياق، يتحدّث الهيبة ولد الشيخ سيداتي، المدير العام لجريدة الأخبار المستقلّة التي اشتغلت مؤخرًا على تحقيقاتٍ مثيرةٍ بخصوص قضيّة المخدرات في السنوات الأخيرة بالبلاد، لـ"جيل" قائلًا: "المخدّرات صنفان: صنف أكثر انتشارًا كالحشيش والقنب الهادي، وصنف يسمّى المخدرات ذات الخطر البالغ، أي الكوكايين. وبالنسبة للصنف الأوّل أصبح منتشرًا على نحوٍ شبه واسع في موريتانيا، وأصبح هاجسًا لدى السلطات الرسميّة، لأن أغلب جرائم القتل بعد التحقيق، يكتشف المحققون أنّ أصحابها كانوا تحت تأثير هذا الصنف من المخدّرات، وقد أطلقت السلطات حملاتٍ خلال الفترة الماضيّة للتحذير من وصول هذه المخدرات إلى الشباب".

ويضيف الهيبة أن الصنف الآخر، وهو الكوكايين، كانت موريتانيا الرسميّة تتعاطى معه بمنطق الربح من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني، فهي تعتبر أنها ليست بلدًا منتجًا وليست بلدًا مُستهلكًا، وبالتالي هذه البضاعة تنتج في أميركا اللاتينيّة وتُستهلك في أوروبا، ولذلك نحن مجرّد بلد عبور نستفيد ماليًا من هذا الموضوع، لهذا في الفترة الأخيرة غالبًا ما يُسجّل تورّط أطراف في السلطة بسبب هذا النوع من المخدّرات، كما تشهد على ذلك عدّة ملفاتٍ خطيرة لم تتمّ الصرامة المطلوبة مع أصحابها، بل إن الأمر وصل لدرجة أن يعفو الرئيس الحالي للبلاد ما بين 2011 و2012 عن مجموعةٍ من المتّهمين في هذه الملفّات الخطيرة".


مخدّرات رسمية
وتعدّ جغرافيا موريتانيا أرضًا خصبة للعبور التجاريّ للمخدّرات، نظرًا لشساعة أراضيها الصحراويّة غير الخاضعة للمراقبة الأمنيّة، الأمرُ الذي سهّل عمليّات المرور والتصدير أيضًا على رجال الأعمال المتحالفين مع عصاباتٍ دوليّة مختصّة في تجارة المخدّرات عبر العالم، وشمال إفريقيا خصوصًا. ففي السنوات الأخيرة، ومنذ اكتشاف أوّل رحلة عبورٍ للمخدّرات في عام 2006 بمدينة انواذيبو، تمّ اكتشافُ ملّفاتٍ حسّساسة أيضاً بخصوص المخدّرات، تثير الشّبهات حول شخصيّاتٍ رسميّة كانت على علاقة مع باروناتٍ أجانب ينشطون في هذه التجارة.

ظهور تلك الملفّات الخطيرة للرأيّ العام الوطنيّ، إضافة إلى الإعفاء الرئاسيّ الرسميّ عن بعض المتّهمين الكبار في جرائم ذات صلة، أدّى إلى طرح أسئلةٍ قلقة في المنابر العموميّة الحرّة من قبل الفاعلين الاجتماعييّن والحقوقييّن حول شفافيّة السلطات الرسميّة ومدى مصداقيّتها وجديّتها في محاربة انتشار المخدّرات داخل أوساط الشباب. وقد تعزّز طرح تلك الأسئلة مع ظهور جرائم القتل والاغتصاب المرعبة التي أصبحت مؤخرًا تزداد بشكلٍ مقلق على الساحة الوطنيّة.

تحذيرات السلطات الرسميّة في موريتانيا من انتشار المخدّرات تبدو منفصلة عن الواقع المعيشي للسكّان، وعلى الرّغم من استمرار تعاطي المخدّرات المُلفت في أوساطهم، وانعكاسه السلبيّ على معدّل الجريمة، لم يتم اتخاذ أي إجراءاتٍ قانونيّة وعقابيّة صارمة ضدّ استيرادها من الخارج، والتوجّه إلى الواقع الاجتماعي والاقتصادي للسّكان وتحسينه بشكلٍ فعليّ، ويبدو أن هذه المشكلة تتزايد باستمرار، لتصبح كابوسًا مرعبًا يصعبُ التغلّب عليه.





المساهمون