المخاوف على إدلب تتعاظم: "وعود سوتشي" لا تزيل المخاطر

02 اغسطس 2018
تعرّضت إدلب لقصف عنيف خلال سنوات(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تتصدّر محافظة إدلب في شمال غربي سورية مجدداً واجهة الحدث، مع إطلاق النظام تهديداً باتجاه المعقل الأبرز لفصائل المعارضة، التي تحاول لململة صفوفها والاتحاد في تشكيل واحد، لمواجهة هذا التهديد الذي يبدو هذه المرة جدياً، على الرغم من تأكيد الثلاثي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية (روسيا، تركيا، إيران) أن اتفاق خفض التصعيد في المحافظة مستمر. وعلى الرغم من تشديد تركيا على عدم قبولها بتكرار ما شهدته حماة وحمص ودرعا في إدلب، ونفي روسيا وجود أي هجوم واسع على المحافظة حالياً، إلا أن ذلك لا يطمئن أطرافاً عديدة تتخوّف من أن تكون التطمينات الروسية مجرد خداع قبل عملية عسكرية في المحافظة. غير أن أطرافاً أخرى تشير إلى أن الوضع في إدلب يخضع للتفاهمات الدولية، وتحديداً بين موسكو وأنقرة، وبالتالي لا يمكن للنظام شنّ عملية عسكرية خارج هذه التفاهمات. تفاهمات بدت هشة في اجتماعات أستانة 10 في سوتشي يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وهو ما جعل البيان الختامي خالياً من كلام واضح يطمئن المحافظة إلى مصيرها، وهو ما ربما يكون سببه اختلاف "الضامنَين" الروسي والتركي حول شكل الحلّ الأنسب للمحافظة، على قاعدة أن تكون تركيا عرابة هذا الحل، من خلال القضاء على جبهة النصرة وإطارها الأوسع، "هيئة تحرير الشام".

ورفع النظام في الآونة الأخيرة سقف تهديداته للمعارضة السورية في محافظة إدلب، خصوصاً بعد سيطرته على الجنوب السوري عقب رفع الغطاء الأميركي والأردني عن فصائل المعارضة هناك. ويأتي كلام رئيس النظام السوري بشار الأسد، أمس الأربعاء، لجنوده بالقول "إننا على موعد قريب مع النصر"، ليعطي إشارات إلى نيّة النظام استكمال تقدّمه للسيطرة على باقي المناطق السورية. كذلك كان الأسد قد قال، في مقابلة مع وسائل إعلام روسية نُشرت الخميس الماضي، إن "هدفنا الآن هو إدلب، على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". كما أن ممثل النظام في اجتماعات سوتشي التي اختُتمت الثلاثاء، بشار الجعفري، قال إن "عودة إدلب بالمصالحات الوطنية هو مطلب الحكومة السورية، وإذا لم تعد فللجيش السوري الحق باستعادتها بالقوة".

لكن النظام يدرك أن الوضع في شمال غربي سورية مختلف عن باقي المناطق، وأن الموقف التركي مع المعارضة مناقض للموقف الأردني مع فصائل الجنوب، وأي تحرك من قبل قوات النظام خارج سياق تفاهمات أنقرة مع موسكو في المحافظة سيواجه مقاومة من قبل فصائل المعارضة. ونجحت تركيا في تثبيت اتفاقية خفض التصعيد في إدلب، في الجولة العاشرة من مفاوضات أستانة، التي انتهت الثلاثاء في مدينة سوتشي الروسية، إذ أكد الثلاثي الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار في سورية أن الاتفاقية "ما زالت مستمرة، وستجدد تلقائياً في حال انتهت". ولكن هذا لا يعني أن النظام وحلفاءه لن يضعوا محافظة إدلب في خططهم الهادفة إلى سحق المعارضة في كل سورية، ودائماً ما تُعتبر "هيئة تحرير الشام" (التي تشكل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي) حجة للنظام من أجل قضم مناطق المعارضة والقضاء عليها. وبات من الواضح أن الروس أطلقوا يد الأتراك، في شمال غربي في محاولة لحل مشكلة "هيئة تحرير الشام" عن طريق حلها نهائياً ترهيباً وترغيباً، خصوصاً أن مصير الجنوب السوري لا يزال ماثلاً أمام الهيئة وفصائل الجيش الحر في حال عدم تدارك الموقف سريعاً.

وتدفع أنقرة بقوة باتجاه دمج كل فصائل المعارضة في كيان واحد، باستثناء "هيئة تحرير الشام"، إذ كشفت مصادر إعلامية معارضة أنه تم بالفعل التوصل إلى اتفاق شامل "يقضي باندماج جميع الفصائل، باستثناء هيئة تحرير الشام، تحت مسمى الجبهة الوطنية للتحرير". ونقلت هذه المصادر عن قياديين في الجيش الحر تأكيدهم أنه "سيكون للجبهة الوطنية التي سيُعلن عنها بشكل رسمي قريباً، قائد عام ونائبان اثنان، ورئيس للأركان، ومتحدث رسمي باسمها"، مشيرين إلى أن "قوام الجبهة الوطنية أكثر من 40 ألف مقاتل ينتشرون في مدن وبلدات الشمال السوري".
وتنشط في الشمال والشمال الغربي السوري أبرز فصائل المعارضة، وأهمها "فيلق الشام"، و"صقور الشام"، و"جيش الأحرار"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"جيش النصر"، وسواها من الفصائل المقربة من الجانب التركي، التي تضم مقاتلين محترفين تمرسوا في المعارك طيلة نحو سبع سنوات، ولديهم أسلحة ثقيلة ومتوسطة.

ورأى المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الوضع في إدلب بشكل عام يخضع للتفاهمات الدولية، خصوصاً بين روسيا وتركيا، ولا يمكن القول إن النظام أو المعارضة أصحاب قرار في ما يمكن أن يحصل في إدلب، بل هما أدوات بيد من يدعمهما ويحميهما". وأعرب عن اعتقاده بأن "اتفاق وقف التصعيد سيستمر في إدلب بشكل جزئي، مع إمكانية قيام الروس بخروقات في عدة أماكن تحت ذريعة ضرب هيئة تحرير الشام"، مضيفاً: "لا يمكن للنظام القيام بأي عملية عسكرية في أي منطقة سورية ما لم يكن هناك اتفاق مسبق بين روسيا من جهة، والدولة الضامنة من جهة أخرى، وفي حالة إدلب هي تركيا".


وكانت وسائل إعلام تابعة للنظام قد تحدثت أخيراً عن أن قوات النظام تستعد لشن عملية عسكرية لاستعادة منطقة جسر الشغور القريبة من ريف اللاذقية الشمالي على الحدود السورية التركية، وهو ما لا يستبعده البكور، قائلاً: "لا أستبعد أن يكون هناك اتفاق بين روسيا وتركيا على مقايضة منطقة جسر الشغور بمنطقة أخرى، وذلك لتحقيق مصالح متبادلة بين تركيا وروسيا في المنطقة". ولكنه لفت إلى أن "النظام لن يكون قادراً على تنفيذ أي عمل عسكري في أي منطقة من سورية إلا بعد ضمان اشتراك روسيا فيها، وضمانات تركية بعدم مشاركة بعض الفصائل بالتصدي للمليشيات الأجنبية والمرتزقة التي ستنفذ العمل العسكري باسم النظام".

من جهته، قال النقيب ناجي المصطفى، المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، في تغريدة له: "نحن مستعدون لكافة الاحتمالات في إدلب، والمعركة لن تكون سهلة، خططنا العسكرية جاهزة، ولن يكون النظام هو المبادر الوحيد، وفي حال بدأ المعركة لن يكون هو من ينهيها".

ولا يكاد يمر يوم من دون صدور تصريح من قبل مسؤولين في النظام السوري باتجاه إدلب والقول إن قوات النظام تستعد لاستعادة إدلب من المعارضة. ومن أحدث هذه التصريحات قول وزير "المصالحة الوطنية" في حكومة النظام، علي حيدر، أمس الأربعاء، "إن إدلب ستعود وهذا أمر محسوم"، زاعماً بوجود "تواصل مع أهالٍ في المحافظة لتشكيل رأي شعبي مناهض للإرهاب"، على حد زعمه.

وأمام هذا الواقع، أشار المحلل العسكري العميد أحمد رحال إلى "أن الخطر قائم على إدلب، على الرغم من التطمينات الروسية على هذا الصعيد"، داعياً في تسجيل صوتي فصائل المعارضة في شمال غربي البلاد إلى الاستعداد لمعركة ربما تقع، معتبراً كلام المسؤولين الروس عن أن لا عملية عسكرية واسعة في إدلب "هو بمثابة إعلان حرب"، مضيفاً: "أعداؤنا دائماً يستخدمون ألفاظاً خادعة. كان يجب أن يقولوا إنه لا عملية عسكرية في إدلب لا الآن ولا المستقبل. هناك خداع بالتصريحات". وأعرب عن اعتقاده بأن بيان مفاوضات أستانة في سوتشي "لم يكن موفقاً"، إذ "تحدث عن سيادة ووحدة سورية"، مضيفاً: "عن أي سيادة يتحدثون ولم يبق مرتزق في العالم لم يجلبه بشار الأسد إلى البلاد". وأشار إلى أن البيان تحدث عن "مرجعية سوتشي والقرار الدولي 2254، مسقطاً بيان جنيف 1 الذي يشير إلى أنه لا مكان لبشار الأسد في الحكم الانتقالي"، لافتاً إلى أن هناك أنباء عن نيّة الروس إعادة فتح الطرق بين حلب في الشمال السوري والساحل السوري، وبين حلب والعاصمة دمشق، ما يعني السيطرة على مدينة خان شيخون وإبعاد فصائل المعارضة 10 كيلومترات عن سكة الحديد التي تربط حلب ودمشق. وأشار إلى أن قوات النظام والمليشيات تحشد في ريف اللاذقية الشمالي، ما يعني أن هناك استعدادات لعمل عسكري باتجاه منطقة ريف إدلب الغربي، مؤكداً أن سلاح المعارضة والاستعداد والوحدة هي القادرة على منع أي عمل عسكري يتحضر له النظام.

وباتت إدلب المعقل الأبرز لفصائل المعارضة، ولـ"هيئة تحرير الشام" التي فقدت رصيدها الشعبي بشكل شبه كامل، وفق مصادر محلية في المحافظة التي باتت تضم نحو 3 ملايين مدني من كل المحافظات السورية تدرك أنقرة أنهم بمثابة قنبلة موقوتة، سيولد انفجارها أزمات إنسانية لا تنتهي. وإلى جانب الهيئة، وفصائل المعارضة، هناك تنظيم "حراس الدين"، الذي يضمّ بقايا فصيل "جند الأقصى"، وتنظيمات جهادية تابعة لـ"القاعدة" ومنشقة عن "هيئة تحرير الشام". وينتشر مسلحو هذا التنظيم المتطرف، المقدر عددهم بنحو 700 مسلّح، في محيط مدينة سراقب، مروراً بسرمين ومدينة إدلب وريف جسر الشغور، وصولاً إلى جبهات لا تزال مفتوحة في ريف اللاذقية الشمالي جرى تحريكها في الآونة الأخيرة. كذلك ينتشر مقاتلو "الحزب التركستاني" في ريف جسر الشغور، ما يزيد الموقف تعقيداً وتأزيماً في محافظة إدلب التي تعمّد النظام وحلفاؤه دفع أغلب مقاتلي المعارضة و"هيئة تحرير الشام" إليها، لتمهيد الطريق أمام انفجار دامٍ، لتهيئة الظروف لعودة قوات النظام إلى هذه المحافظة.

وتشير الوقائع الميدانية إلى أن فصائل المعارضة في شمال غربي سورية قادرة على مواجهة طويلة مع قوات النظام والمليشيات الموالية له في حال انهيار التفاهمات التركية الروسية. وتؤكد مصادر مطلعة أن المعارضة تملك أكثر من خمسين ألف مقاتل محترف، لا ينقصهم التدريب الجيد والتسليح، والخبرة في القتال. ولكن نقطة الضعف الوحيدة أمام فصائل المعارضة هي المدنيين، إذ يُخشى أن يعمد الطيران الروسي إلى ارتكاب مجازر بحقهم للضغط على المعارضة التي تدرك أن معركة إدلب هي "أم المعارك" بالنسبة لها، بل ربما هي "المعركة الأخيرة" في الصراع الدامي المحتدم منذ نحو سبع سنوات. وصدت هذه الفصائل هجوماً كبيراً تحت غطاء جوي روسي كثيف أواخر عام 2015 من قبل قوات النظام ومليشيات موالية له باتجاه محافظة إدلب. وتؤكد هذه الفصائل أنها مستعدة للتعامل مع كل الاحتمالات في محافظة إدلب، فيما يبدو أن "هيئة تحرير الشام" حُشرت في زاوية ضيقة، ولم تعد قادرة على المناورة أكثر، وليس أمامها إلا خياران: إما حل نفسها وتوزيع عناصرها في فصائل الجيش الحر، وخصوصاً في "فيلق الشام"، أو مواجهة هذه الفصائل التي لن تترك للنظام وحلفائه ثغرة يستطيع من خلالها تسخين الجبهات من جديد.

المساهمون