يبدأ المحامون الفلسطينيون، اليوم الأربعاء، خطوات احتجاجية وتعليق عمل أمام المحاكم، احتجاجاً على ما جرى أول من أمس الإثنين، من منع لقضاة من دخول مبنى محكمة في مدينة البيرة المجاورة لمدينة رام الله وسط الضفة الغربية، وحضور جلسة تقاضٍ لهم كانوا قد قدموا فيها طعوناً ضد انتدابهم من عملهم القضائي إلى مؤسسات الدولة، وعلى ما آلت إليه أوضاع القضاء.
وفي بيان للرأي العام صادر عن نقابة المحامين الفلسطينيين، أعلنت النقابة، مساء الثلاثاء، عن تعليق العمل أمام كافة المحاكم النظامية والعسكرية ومحاكم التسوية وأمام كافة المؤسسات والدوائر الرسمية طيلة اليوم الأربعاء، باستثناء الطلبات المستعجلة، وطلبات الإفراج وتمديد التوقيف، ودعت نقابة المحامين إلى تعليق العمل يوم الأحد المقبل، اعتباراً من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى نهاية الدوام، فيما أشارت إلى أن خطواتها جاءت رداً على الإهانة والسقوط بالعدالة إلى أسفل القاع وإهدار مكانة القضاة والمتقاضين.
ودعت نقابة المحامين الفلسطينيين الكتل النقابية كافة والنقباء السابقين وأعضاء مجالس النقابة السابقين واللجان الفرعية واللجان المتخصصة بنقابة المحامين إلى اجتماع تشاوري يوم الأحد المقبل، لبحث ومناقشة التطورات الخطيرة التي آلت إليها منظومة العدالة لاتخاذ قرار بالإجراءات التصعيدية وبرنامج الاحتجاجات للوصول إلى تحقيق رؤية نقابة المحامين في إصلاح منظومة العدالة وإنقاذ مرفق القضاء من الغرق النهائي في وحل الظلم .
وأشارت نقابة المحامين الفلسطينيين إلى ما آلت إليه الإدارة الفاشلة لمرفق القضاء منذ تولي مجلس القضاء الأعلى الانتقالي العام الماضي، في إدارة القضاء بذريعة الإصلاح والتطوير، "والتي لم نجن منها سوى المزيد من الإخفاقات والفشل والتراجع في الأداء وتدهور السلطة القضائية، مما أدى إلى زعزعة ثقة الجمهور الفلسطيني بالقضاء وبات المواطن غير آمن على نفسه وماله وعرضه لغياب قضاء يوفر الحماية لأفراد المجتمع ومؤسساته، وهذا بدوره سيقود إلى نتائج كارثية، حيث حلت ثقافة الثأر واستيفاء الحق باليد والوسائل غير الحضارية محل مبدأ سيادة القانون..
وأكدت النقابة أنها لطالما حذرت من الوصول إلى هذا المستنقع الخطير وعودة الفلتان الأمني والقانوني، وأنها طالبت مرارا وتكرارا بوجوب تصويب المسارات وإصلاح وتطوير القضاء وتعزيز استقلاله تطبيقا لما نصت عليه مواد القانون الأساسي في المادتين 98 و106 ونصوص قانون السلطة القضائية 2 و14 و82"، إلا أنه ومع كل أسف وفي كل المراحل لم تلق مطالبات النقابة استجابة، مع العلم أن النقابة ودورها وأهدافها لا ترمي إلا لرفع شأن القضاء وتحقيق استقلاله".
وتابعت، "لقد كانت النقابة سباقة لدعم خطط إصلاح وتطوير القضاء منذ تولي مجلس القضاء الانتقالي مهامه، إلا أن المجلس الانتقالي سرعان ما أدار ظهره لمبادئ النقابة التوجيهية ورؤيتها لتحقيق الإصلاح، ووقع المجلس الانتقالي على نحو غير مسبوق في براثن السلطة التنفيذية، وتمت السيطرة عليه من خارجه، مما فاقم الأزمة والانحدار نحو الهاوية، وازداد الخلل والعلل وأصبح المجلس الانتقالي أداة طيعة بيد السلطة التنفيذية، وهذا تجلى من خلال ندب القضاة خلافاً للقانون للعمل بمؤسسات الدولة، وإحالة القضاء للتقاعد دون اتباع النصوص القانونية الواردة بقانون السلطة القضائية وبلا محاكمة عادلة وتحقيق شفاف" .
وأردفت النقابة، "لقد كانت السقطة الأخيرة التي تمت على مرأى ومسمع المجلس الانتقالي وفي مقر مجلس القضاء شاهداً على خضوع السلطة القضائية التام لإملاءات وتعليمات السلطة التنفيذية والأشخاص المتنفذين الذين استغلوا مناصبهم وأحكموا قبضتهم على السلطة القضائية الهشة، وأصبحت العصا التي يجلدون بها القضاة انتقاما منهم لأسباب غير موضوعية بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة".
وأكدت نقابة المحامين الفلسطينيين أن ما حدث أول من أمس، أمام مجمع محاكم رام الله من استعانة المجلس الانتقالي بقوة شرطية ضخمة لترهيب وقمع القضاة ومنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي والدستوري في التقاضي والمثول أمام هيئة المحكمة التي تنظر في طعونهم، وهو حق كفله القانون الأساسي، يشكل نقطة سوداء في تاريخ القضاء الفلسطيني لا يمكن للزمن أن يمحوها أو ينساها، ويشكل جريمة نكراء لا يمكن أن تغتفر، ويجب أن لا تمر بدون محاسبة وردع لمن اقترفها أو سكت عنها.
وتابعت النقابة، "إن ما صدر عن مجلس القضاء حول الحدث الأليم وإنكار صدور تعليمات منه للقوى الشرطية يعد عذراً أقبح من ذنب ودليلاً دامغاً على فقدان السلطة القضائية لمكانتها وهيبتها، فكيف يمكن تبرير منع قاضٍ من الدخول إلى قاعة المحكمة لممارسة حقه في التقاضي؟ وكيف يبرر مجلس القضاء للناس عجزه عن تمكين القاضي من ممارسة هذا الحق وهو المسؤول عن تأمين العدالة؟".
في هذه الأثناء، طالب الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته في بيان له، بضرورة تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الأحداث التي وقعت أول من أمس، وتحديد الجهة المسؤولة عن إصدار أوامر للشرطة لمنع وصول القضاة، وتحديد المسؤولية التقصيرية لمجلس القضاة الأعلى الانتقالي في حماية كرامة القضاة وضمان حقهم وحق الجمهور في الوصول إلى المحاكم بحرية تامة.
ورأى الائتلاف الأهلي لإصلاح القضاء وحمايته أن حق القضاة في الطعن بالقرارات الصادرة بحقهم مشروع، ويجب أن تنظر المحكمة في طعونهم بحيادية وشفافية تامة، وأن تتاح للجمهور متابعة حيثيات هذه القضايا كونها تعتبر قضايا رأي عام وتتعلق بالذات بالقضاة، فيما أكد الائتلاف ضرورة الإسراع في تشكيل مجلس قضاء دائم، وفق ما يقضي به قانون السلطة القضائية.