05 نوفمبر 2024
المالكي ... ديكتاتور الصناديق
وحدهم العرب يتفنن رؤساؤهم في البقاء في السلطة بشتى الطرق، وحدهم من يبتكرون ألف طريقة وطريقة لتبقى السلطة حكراً على هذا الرئيس أو ذاك، والأمثلة أكثر من أن تعد. وواحدة من تقليعاتٍ تفنن بها العرب هي ديكتاتورية الصندوق، أو الديكتاتورية الديمقراطية، إن صح هذا التعبير، حيث عمد الطغاة إلى تجميل ديكتاتوريتهم، بإجراء انتخابات شكلية، ينافسون فيها أشباحاً، ليعودوا إلى السلطة من جديد، تحت شعار "جئنا بالصناديق".
في عراق ما بعد الاحتلال ، كرّست العملية السياسية التي عمّدت في محاريب الهمر الأميركية حالة ديكتاتورية جديدة، توقع بعضهم أنها غير ممكنة في عراق ما بعد 2003، خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن ظهر للعالم زيف وكذب ادعاءاتها التي من أجلها غزت العراق، وتتعلق بأسلحة الدمار الشامل، عمدت إلى تعديل خطابها من البحث عن أسلحة الدمار الشامل إلى نشر الديمقراطية، غير أنها سريعاً ما تخلت عن هذا الشعار في حقبة جورج بوش، أو بعد أن جاء باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وهو يسعى إلى الهروب سريعاً من جحيم العراق، والتخلص من تركة بوش الثقيلة.
ثمانية أعوام، ورئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، يتصدر المشهد السياسي في العراق، ليس لأنه رئيس الحكومة، وإنما لأنه الحاكم الفعلي، والمسيطر على أغلب القطاعات في البلاد، فهو، بالإضافة إلى أنه رئيس للحكومة الفعلية، في نظام سياسي فُصّل وفقاً لمقاسات معينة، فإنه، أيضاً، رئيس جهاز المخابرات ووزير الدفاع والداخلية والقائد العام للقوات المسلحة. والنظام السياسي لعراق ما بعد الاحتلال ركَّز أغلب السلطات بيد رئيس الحكومة، وجعل منصب رئيس الجمهورية شرفياً، أو، إن شئت الدقة، لترضية هذا الطرف أو ذاك، لا أكثر ولا أقل.
المالكي، وبعد ولايته الأولى، التي امتدت حتى العام 2010، حل ائتلافه، دولة القانون، ثانياً، في الانتخابات البرلمانية، بعد قائمة إياد علاوي، التي جاءت الأولى بفارق صوتين، وبدلاً من أن يذهب علاوي إلى تشكيل الحكومة وفقا للنص الدستوري، جاء المالكي، وفقهاء المحكمة الدستورية، بتأويل نص الأكثرية التي تشكل الحكومة، بأنه يعني الأكثرية داخل قبة البرلمان، وليس الأكثرية التي فازت في الانتخابات.
على الرغم من ممانعة أبدتها القائمة العراقية، ومعها الأكراد، لمنع ترشح المالكي لولاية ثانية، إلا أن الفيتو الإيراني على إياد علاوي، والتوافق النادر بين طهران وواشنطن، أَهلا المالكي للعودة ثانياً إلى السلطة، من بوابة اتفاق أربيل الذي نص على عدة بنود، نكثها المالكي سريعاً، واحدة بعد أخرى، لعل أبرزها المجلس الأعلى للسياسات الذي كان مؤملاً أن يرأسه علاوي.
تأتي الانتخابات الجديدة في نهاية إبريل/ نيسان الجاري، والمالكي يخوض حرباً ضد الجميع، بحثاً عن ولاية ثالثة، حرباً مهد لها بإلغاء حكم منع الترشح لولاية ثالثة، والذي أقره البرلمان، من خلال قرار المحكمة الدستورية التي يبدو أن المالكي عرف كيف يطوعها لصالحه. كما أنه يشن حرباً أخرى على خصومه السياسيين، وقد نجح في اعتقال بعضهم، واضطر آخرون إلى الهرب من العراق، ناهيك عن تلفيق ملفات وتهم ضد آخرين، يعتقد المالكي أنهم قد يشكلون خطراً عليه. كما أن مدافعه وطائراته تدك محافظة الأنبار منذ نحو أربعة أشهر، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، في توقيت مريب لهذه الحرب التي أخلت أكبر المحافظات العراقية مساحة، الأنبار، من أهلها، حتى وصل عدد المشردين والنازحين إلى أكثر من مليون شخص، ما سيعطل أية انتخابات قد تجري في هذه المحافظة.
في عراق ما بعد 2003، هناك عملية سياسية كانت وما تزال، سبباً لأزماتٍ متلاحقةٍ حلت بهذا البلد، أنتجت وأفرزت أَزمات لا يعرف طعمها إلا العراقيون الذين ذاقوا طوال أحد عشر عاماً كل ويلات الموت والقتل والتشريد واللجوء، وحتى الحصار والجوع والتغيير الديمغرافي لمدنهم. واليوم، يريد المالكي أن يكرس نفسه حاكماً فرداً للعراق، عبر صناديق الاقتراع، عبر الديمقراطية التي جلبتها أميركا، مستفيداً من الضوء الأخضر الإيراني، ومعه الأميركي أحياناً، في إقصاء خصومه.
أميركا، هي الأخرى، لا تريد اليوم مزيداً من المشكلات في العراق، هي تعرف جيداً أن وجود المالكي المرضي عنه إيرانيا قد يبقي الحال على ما هو عليه في العراق، من دون مزيدٍ من التدهور الأمني. وبالتالي، على الرغم من كل التحفظات الأميركية على المالكي لولاية ثالثة، إلا أنها قد تغض الطرف عنه، إرضاء لإيران أولا، ولمزيد من مكاسب وعد المالكي بها واشنطن في زيارته أخيراً إلى هناك، بحسب مصادر عراقية.
ليست كارثة العراق، اليوم، في شخص المالكي، أو خصومه من السياسيين. إنها في نظام سياسي أعرج وأعوج، حمل كل النقائص، وصاغها على شكل عملية سياسية، لن تكون سوى عملية جالبة لمزيد من المشكلات، مع إبقاء العراق ضعيفاً منهكاً، غير قادر على رفع رأسه.
المالكي، إذا ما تمت الانتخابات، (أشك في أنها ستجري)، قد يعود ثالثةً إلى الحكم، ليكرس مقولة "ديكتاتور بالصندوق".
في عراق ما بعد الاحتلال ، كرّست العملية السياسية التي عمّدت في محاريب الهمر الأميركية حالة ديكتاتورية جديدة، توقع بعضهم أنها غير ممكنة في عراق ما بعد 2003، خصوصاً وأن الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن ظهر للعالم زيف وكذب ادعاءاتها التي من أجلها غزت العراق، وتتعلق بأسلحة الدمار الشامل، عمدت إلى تعديل خطابها من البحث عن أسلحة الدمار الشامل إلى نشر الديمقراطية، غير أنها سريعاً ما تخلت عن هذا الشعار في حقبة جورج بوش، أو بعد أن جاء باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وهو يسعى إلى الهروب سريعاً من جحيم العراق، والتخلص من تركة بوش الثقيلة.
ثمانية أعوام، ورئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، يتصدر المشهد السياسي في العراق، ليس لأنه رئيس الحكومة، وإنما لأنه الحاكم الفعلي، والمسيطر على أغلب القطاعات في البلاد، فهو، بالإضافة إلى أنه رئيس للحكومة الفعلية، في نظام سياسي فُصّل وفقاً لمقاسات معينة، فإنه، أيضاً، رئيس جهاز المخابرات ووزير الدفاع والداخلية والقائد العام للقوات المسلحة. والنظام السياسي لعراق ما بعد الاحتلال ركَّز أغلب السلطات بيد رئيس الحكومة، وجعل منصب رئيس الجمهورية شرفياً، أو، إن شئت الدقة، لترضية هذا الطرف أو ذاك، لا أكثر ولا أقل.
المالكي، وبعد ولايته الأولى، التي امتدت حتى العام 2010، حل ائتلافه، دولة القانون، ثانياً، في الانتخابات البرلمانية، بعد قائمة إياد علاوي، التي جاءت الأولى بفارق صوتين، وبدلاً من أن يذهب علاوي إلى تشكيل الحكومة وفقا للنص الدستوري، جاء المالكي، وفقهاء المحكمة الدستورية، بتأويل نص الأكثرية التي تشكل الحكومة، بأنه يعني الأكثرية داخل قبة البرلمان، وليس الأكثرية التي فازت في الانتخابات.
على الرغم من ممانعة أبدتها القائمة العراقية، ومعها الأكراد، لمنع ترشح المالكي لولاية ثانية، إلا أن الفيتو الإيراني على إياد علاوي، والتوافق النادر بين طهران وواشنطن، أَهلا المالكي للعودة ثانياً إلى السلطة، من بوابة اتفاق أربيل الذي نص على عدة بنود، نكثها المالكي سريعاً، واحدة بعد أخرى، لعل أبرزها المجلس الأعلى للسياسات الذي كان مؤملاً أن يرأسه علاوي.
تأتي الانتخابات الجديدة في نهاية إبريل/ نيسان الجاري، والمالكي يخوض حرباً ضد الجميع، بحثاً عن ولاية ثالثة، حرباً مهد لها بإلغاء حكم منع الترشح لولاية ثالثة، والذي أقره البرلمان، من خلال قرار المحكمة الدستورية التي يبدو أن المالكي عرف كيف يطوعها لصالحه. كما أنه يشن حرباً أخرى على خصومه السياسيين، وقد نجح في اعتقال بعضهم، واضطر آخرون إلى الهرب من العراق، ناهيك عن تلفيق ملفات وتهم ضد آخرين، يعتقد المالكي أنهم قد يشكلون خطراً عليه. كما أن مدافعه وطائراته تدك محافظة الأنبار منذ نحو أربعة أشهر، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، في توقيت مريب لهذه الحرب التي أخلت أكبر المحافظات العراقية مساحة، الأنبار، من أهلها، حتى وصل عدد المشردين والنازحين إلى أكثر من مليون شخص، ما سيعطل أية انتخابات قد تجري في هذه المحافظة.
في عراق ما بعد 2003، هناك عملية سياسية كانت وما تزال، سبباً لأزماتٍ متلاحقةٍ حلت بهذا البلد، أنتجت وأفرزت أَزمات لا يعرف طعمها إلا العراقيون الذين ذاقوا طوال أحد عشر عاماً كل ويلات الموت والقتل والتشريد واللجوء، وحتى الحصار والجوع والتغيير الديمغرافي لمدنهم. واليوم، يريد المالكي أن يكرس نفسه حاكماً فرداً للعراق، عبر صناديق الاقتراع، عبر الديمقراطية التي جلبتها أميركا، مستفيداً من الضوء الأخضر الإيراني، ومعه الأميركي أحياناً، في إقصاء خصومه.
أميركا، هي الأخرى، لا تريد اليوم مزيداً من المشكلات في العراق، هي تعرف جيداً أن وجود المالكي المرضي عنه إيرانيا قد يبقي الحال على ما هو عليه في العراق، من دون مزيدٍ من التدهور الأمني. وبالتالي، على الرغم من كل التحفظات الأميركية على المالكي لولاية ثالثة، إلا أنها قد تغض الطرف عنه، إرضاء لإيران أولا، ولمزيد من مكاسب وعد المالكي بها واشنطن في زيارته أخيراً إلى هناك، بحسب مصادر عراقية.
ليست كارثة العراق، اليوم، في شخص المالكي، أو خصومه من السياسيين. إنها في نظام سياسي أعرج وأعوج، حمل كل النقائص، وصاغها على شكل عملية سياسية، لن تكون سوى عملية جالبة لمزيد من المشكلات، مع إبقاء العراق ضعيفاً منهكاً، غير قادر على رفع رأسه.
المالكي، إذا ما تمت الانتخابات، (أشك في أنها ستجري)، قد يعود ثالثةً إلى الحكم، ليكرس مقولة "ديكتاتور بالصندوق".