تضع الأرقام الصادرة عن المؤسسات الدولية، الشعوب العربية على هامش مؤشرات التنمية الاقتصادية. وتدل آخر التقارير على أن الدول العربية، ورغم التقدم الطفيف الذي تعرفه في النمو الاقتصادي نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، تظل متأخرة في مجالات جد حيوية، منها القضاء على البطالة والفقر، وسوء توزيع الثروة الوطنية.
تنمية غائبة
تناقض غريب، بحيث يظهر الاقتصاد في قاطرة مختلفة عن قاطرة الحراك الإنتاجي للمجتمعات. والسبب الأساس في هذا التناقض، بحسب خبراء الاقتصاد، تركّز التحسينات في قطاعات اقتصادية بعينها، وعدم ارتباط ارتفاع الإيرادات بزيادة المشاريع التنموية.
وتكشف الخبيرة الاقتصادية في البنك الدولي، الدكتورة سحر نصر، ان الدول العربية لم تشهد خلال الحقبة الماضية عملية تنمية مستدامة، تترافق ونسب النمو المحققة. وتوضح لـ "العربي الجديد"، أن فشل الحكومات في تحقيق نسب نمو مستمرة، تتماشى وتحقيق تنمية مستدامة كان السبب الرئيس للثورات العربية.
وتشير إلى أنه لا يمكن انتظار ما ستؤول إليه نسب النمو لتحقيق تنمية بشرية، لأن الدول العربية تحتاج إلى تنمية مستدامة، والتي لا تتحقق سوى عن طريق دعم الشباب في الاقتصاد، وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتوضح أن تحقيق التنمية لا بد أن يكون هو الدافع لتحريك النمو، وليس العكس.
لبنان، كان المثال الواضح لتناقض أرقام النمو مع مؤشرات التنمية. ويكشف الخبير الاقتصادي لويس حبيقة أن لبنان لم يستفد من النمو الذي حققه خلال السنوات الماضية، ولم تظهر نتائجه، لأن قلة من القطاعات الاقتصادية فقط استفادت من النمو، وأبرزها القطاع المصرفي. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن المصارف اللبنانية لم تشارك في عملية التنمية، بل ضخت السيولة الزائدة على شكل قروض استهلاكية. ويحمل حبيقة مسؤولية فشل التنمية في لبنان إلى الطبقة الحاكمة، التي لم تسع إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، بل اغرقت البلاد في الديون، وزادت من نسب التضخم.
تجارب الدول
التجربة العراقية، لم تكن هي الأخرى، تجربة ناجحة، فقد حقق العراق في عام 2005 نسبة نمو وصلت الى 4.4% لترتفع الى 9% هذا العام. في المقابل، ارتفعت نسبة البطالة في هذين العامين من 27.5% إلى 46.5%. ونسبة الفقر من 28 إلى 30%.
وبحسب المبعوث السابق من الأمم المتحدة إلى العراق، الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، فإن العراق فشل في تحقيق تنمية مستدامة، بالرغم من انه ثاني اكبر بلد منتج للنفط، "والسبب في ذلك يعود إلى الفساد المالي والإداري". ويكشف الصوري، أن "هناك اكثر من 6 آلاف مشروع خدماتي لم ينفّد، وقد وصلت قيمة هذه المشاريع إلى 200 مليار دولار".
ويشير الصوري لـ "العربي الجديد"، إلى أنه منذ عام 2005 إلى اليوم، ارتفعت ميزانية العراق بشكل لافت، "لكن نسب النمو هذه لم تنعكس إيجاباً في تأمين تنمية مستدامة. أما نسب البطالة في العراق خلال السنوات الماضية فقد كانت الأعلى في تاريخ البلاد ووصلت إلى 20%".
يتكرر الحال نفسه في موريتانيا. حيث ارتفعت نسبة النمو من 5% في عام 2005 إلى 6.4% في عام 2014. في المقابل، ارتفعت البطالة من 20 إلى 30%، في حين سجلت نسبة الفقر انخفاضاً لتبقى عند مستوى مرتفع من 46 إلى 42%.
أما في مصر، فقد تراجعت نسبة النمو الاقتصادي من 6.8% في عام 2005 إلى 2.7% هذا العام. إلا أن مؤشر البطالة ارتفع بنسبة كبيرة من 6.7% إلى 13.4%. وكذلك الفقر من 19.6% إلى نحو 25%.
ويرى عميد كلية الاقتصاد في جامعة "الأغواط" بالجزائر رمضاني يعلا، أن معظم الدول العربية تستثمر في قطاع المحروقات، باستثناء دول قليلة توفر فرص استثمار اقتصادي متنوعة. ويعيب رمضاني في حديثه لـ "العربي الجديد" على الدول التي تحقق أرباحاً طائلة من عائدات النفط والغاز، عدم توظيفها للفائض في مشاريع مجدية وذات مردودية طويلة الأمد.
لذلك يفسر المتحدث ذاته، "تعطي الحكومات أرقاماً رسمية عن المشاريع ونسب النمو الاقتصادي، تعاكس دائماً ما تطرحه المؤسسات الدولية من مؤشرات متقهقرة للنمو الاقتصادي، ومناخ الأعمال، والقضاء على الفساد، ونسب البطالة والفقر". ويلخص الرمضاني: "الفوائض المالية لا تُستغل لصالح التنمية".
في حين يلخّص الكاتب والمحلل الاقتصادي المغربي خالد طرطقي، في حديثه لـ "العربي الجديد" واقع تخلف عدد من الدول اقتصادياً وتنموياً بـ "غياب الحكامة"، والمشكل الحقيقي بحسب طرطقي، هو سوء التدبير والتسيير الذي ينتهجه بعض الحكومات العربية لثرواته الطبيعية والبشرية.
ويذهب الخبير الاقتصادي قاسم الهاشمي، أبعد من ذلك، حين يربط في تصريحه لـ "العربي الجديد"، بين إبعاد الشعوب عن التخطيط الاقتصادي وبين نسب التنمية الاقتصادية المتدهورة. ويقول قاسم الهاشمي بهذا الصدد "في غالبية الدول، ليس هناك تخطيط اقتصادي من الأساس، وإنما مشاريع اقتصادية لصالح المتنفذين لا لصالح الدولة".