المؤامرات تحضر في يوم الاستفتاء البريطاني

24 يونيو 2016
اقترع متقاعدون وموظفون رسميون باكراً (دان كيتوود/Getty)
+ الخط -

في ظلّ "صمت انتخابي" مُطبق، وتحت أمطار غزيرة، توجّه، أمس الخميس، نحو 46 مليون بريطاني إلى مراكز الاقتراع للتصويت في الاستفتاء التاريخي حول مصير عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. منذ الدقائق الأولى ليوم الاستحقاق الانتخابي، التزمت وسائل الإعلام التقليدية (راديو، وتلفزيون، وصحف) الصمت الانتخابي الذي تفرضه مفوضية الانتخابات. ولم يلتزم بذلك نشطاء الإعلام الجديد، الذين كثّفوا نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما توقفت الحملات المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والحملات المعارضة، عن أي أنشطة وفعاليات، بعد أن استنفدت كل منها آخر ما لديها من حجج وخطابات دعائية، قبيل دخول الصمت الانتخابي حيّز التنفيذ. ولأن عملية التصويت في الاستفتاء البريطاني تجري خلال يوم عمل عادي، لم تشهد الكثير من مراكز الاقتراع إلا أعداداً قليلة من المصوتين، وأغلبهم من المتقاعدين، أو بعض الموظفين الذين فضّلوا الإدلاء بأصواتهم قبل التوجه للعمل. فضلاً عن أن الكثير من المسجلين للتصويت يفضّلون التصويت المُسبق بالبريد، كما يميل الجيل الجديد من الشباب إلى التصويت الإلكتروني لتفادي الذهاب إلى أي من مراكز الاقتراع الـ382 التي فتحتها مفوضية الانتخابات في انجلترا واسكتلندا وويلز، بالإضافة إلى أيرلندا الشمالية وجبل طارق.

وأظهرت آخر استطلاعات الرأي، أجرته مؤسسة "بوبيولس" عبر الإنترنت، قبل فتح مراكز الاقتراع، تقدم معسكر المؤيدين للبقاء في الاتحاد بفارق 10 نقاط، بحصوله على 55 في المائة من آراء المشاركين في الاستطلاع، مقابل 45 بالمائة حصل عليها "الخروج".

وقد شهدت الساعات الأولى من نهار أمس، حملة تشكيك أطلقها المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، زاعمين بوجود "مؤامرة" تدبّرها الاستخبارات الداخلية البريطانية "إم آي 5" لتزوير بطاقات التصويت. وناشدوا الناخبين إحضار أقلام خاصة معهم إلى مراكز الاقتراع، وعدم استخدام الأقلام التي وفّرتها مفوضية الانتخابات.

في هذا السياق، تداول ناشطون رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي، أن "إم آي 5 دبّرت مؤامرة بوضع أقلام تُمحى كتابتها بسهولة في مراكز الاقتراع، لاستبدال العلامات المؤيدة للخروج بعلامات مؤيدة للبقاء". وحثّ النشطاء أنصار "الخروج" على الكتابة بأقلامهم الخاصة، والتأكد بأن العلامة على بطاقات الاقتراع الخاصة بهم لا يمكن أن تُمحى.





وعبّر نشطاء ينتمون لحزب "الاستقلال" اليميني المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عن قلقهم من تزوير الاستخبارات البريطانية لعملية التصويت. ودعا هؤلاء الناس لتبادل رسائل على "تويتر" و"فيسبوك" لجلب أقلام لوقف مؤامرة محتملة للتلاعب في الانتخابات. ووقف نشطاء مؤيدون للخروج على أبواب مراكز للاقتراع لتحذير الناس من "أقلام المؤامرة"، وحثهم على استخدام أقلامهم الخاصة. واقترح آخرون توجيه المصوتين للضغط بقوة إضافية عند وضع علامة الاختيار على ورقة التصويت لضمان عدم محوها لاحقاً. ومع أن مراكز الاقتراع توفر أقلام رصاص للمصوتين، إلا أن مفوضية الانتخابات لا ترى مانعاً من استخدام المصوتين لأقلامهم الخاصة. وأفادت المفوضية في تغريدات أرسلتها للمتلقين في بريطانيا، بأنها لا تلزم المصوتين باستخدام أقلام الرصاص التي وفرتها، وبإمكانية إحضار أقلامهم الخاصة لاستخدامها بالتصويت. وتندرج "مؤامرة الأقلام" في سياق الشائعات التي راجت حول تلاعب محتمل من قبل الاستخبارات البريطانية في نتائج الاستفتاء، بعد أن حذّر مسؤولان سابقان في الاستخبارات البريطانية من أن يجعل تصويت البريطانيين بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، البلاد أكثر عرضة لهجمات المتشددين، ويسبب عدم استقرار عبر القارة الأوروبية.

في هذا الإطار، حذّر جون سورس، الذي تقاعد من رئاسة جهاز الاستخبارات البريطاني "إم.آي 6" في عام 2014، وجوناثان إيفانز، الذي كان يرأس "إم.آي 5" حتى قبل ثلاث سنوات، من أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يُضعف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول المجاورة لها.

واعتبرا في مقال مشترك لهما في صحيفة "صنداي تايمز"، أن "مكافحة الإرهاب لعبة جماعية والاتحاد الأوروبي أفضل إطار متاح، ولا يمكن لبلد النجاح بمفرده". وقال كل من سورس وإيفانز، إن "العمل الاستخباراتي الحديث يعتمد على تبادل مجموعة ضخمة من البيانات، وقد تواجه بريطانيا قيوداً في المعلومات التي تتلقاها إذا انسحبت من الاتحاد الأوروبي".

وفي تعليق على نداءات المُحذّرين من "مؤامرة الأقلام"، غرّد مشرف على أحد مراكز الاقتراع، لافتاً إلى أنه "يشرف على مركز اقتراع والملاحظ جداً أن عدداً من الناخبين يجلبون أقلامهم الخاصة بدلاً من استخدام أقلام الرصاص المتوفرة في المركز. الناس يشعرون بالقلق وانعدام الثقة في إجراءات التصويت بسبب الشائعات، وهو أمر مثير للسخرية". ونشر العالِم البريطاني المعروف بريان كوكس تغريدة ذكر فيها: "أدليت بصوتي بقلم حبر جاف حتى لا تقدر الاستخبارات على محو العلامة التي وضعتها على بطاقة الاقتراع".

وعلى الرغم مما ساد الحملات الدعائية منذ إبريل/ نيسان الماضي من سخونة بين أنصار معسكر "بقاء" بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وأنصار معسكر "الخروج" من الاتحاد، إلا أن الأجواء التي واكبت عملية التصويت، عكست حالة من برود الأعصاب، تناسبت مع الطقس البارد والماطر الذي ساد معظم المناطق في بريطانيا.

وقد سخر مغرّدون على "تويتر" من الجدل الحاد الذي دار خلال الأسابيع الماضية، خصوصاً عبر نشرهم تغريدات تنتقد استخدام المهاجرين في صورة سلبية، في إشارة إلى الشعارات العنصرية التي رفعها أنصار الخروج ولوم المهاجرين على كل شيء غير جيد في بريطانيا.

من جهته، دعا أحد المغرّدين الناس إلى التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، قائلاً: "لو صوّتنا جميعاً بالخروج لتوقف المطر وعشنا صيفاً دافئاً وخالياً من المهاجرين". وكتب أحد المدونين على صفحته الخاصة تعليقات لطيفة يسخر فيها من الانقسام الذي شهدته بريطانيا خلال الأشهر الماضية، بالقول إن "البلد انشطر إلى جمهوريتي ليفينيا وريمانيا"، وقد اشتق اسم الجمهورية الأولى من كلمة الخروج بالانجليزية، في حين يشير اسم الجمهورية الثانية إلى حملة البقاء. وكلاهما يحاكي أسماء دول من شرق أوروبا أعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل رومانيا.

ومع انتهاء الجدل الحاد الذي شغل بريطانيا لأسابيع، لا يشكّ أي من البريطانيين بأن استفتاء 23 يونيو/ حزيران هو يوم "تاريخي"، لن تكون فيه العلاقة بين بريطانيا وجيرانها أو حلفائها الأوروبيين كما كانت من قبل، مهما كانت نتيجة الاستفتاء.



المساهمون