06 نوفمبر 2024
المأزق المقبل للمجلس الوطني الكُردي
شفان إبراهيم
طرح حزبا التقدمي الديمقراطي الكُردي في سورية، والوحدة الديمقراطي الكُردي في سورية (يكيتي) وثيقة عمل مشترك للمرحلة المُقبلة في سورية (والمنطقة الكُردية). تقاربهما ليس جديداً، بعد عقود من العمل المشترك ضمن أطر سابقة. الجديد الوحيد، وبعد اختيار مسارات خاصة لكل منهما، هو عودة طرفٍ منسحبٍ وطرفٍ مُبعد من المجلس الكُردي للعمل معاً، والإشهار حول عودة رغبتهما بالتواصل والعمل مع دمشق كمركز لحل القضية الكُردية في سورية.
يتقاطع توقيت الطرح مع جملة مُستجدّات، رُبما شعر الطرفان بعدم اندماجهما، أو عدم حظيهما بما يشفي جموحهما نحو ريادة العمل السياسي وناصيته في سورية. تتقاطع المُركّبات في طرحهما مع الوضع الجديد، من تسريباتٍ عن حواراتٍ مُمكنة بين المجلس الكُردي والاتحاد الديمقراطي، وكذا التسريبات الإعلامية عن رغبة فرنسا بتقريبهما. الهزيمة غير واردة في قواميس الطرفين، حتى وإن سلكا دروباً وعرة بالنسبة لكُردٍ كثيرين، أو اتخذا العاصمة السورية بحلّتها الحالية قبلة لهما، فسعى البيان الناعم واللين إلى إيجاد انسجام أو توازن بين ترقب الشارع الكُردي في المنطقة الكُردية، وما ينتظرهما في دمشق، وهو بالمناسبة (رغبة الحوار مع النظام) طرحٌ من غير استحياء أو دهاليز سرية. هو مشفوعٌ بعقلية الحزبين عن أحقية دمشق وأهليتها وأهميتها للحفاظ على الهوية الفرعية الكُردية في سورية، واقتناص ما يُمكن الحصول عليه من حقوق كُردية، كما يقولان، ورُبما تنتفي الحاجة لوصمهما بعباراتٍ خارج اللياقة. بيد أن السجال سيدور في قادم الأيام بشأن مضامين ومصطلحات رُبما تُعيد الوضع الكُردي خطواتٍ إلى الوراء، فما يملكه الحزبان من كفاءاتٍ يمنع عنهما الشفع أو المخارج عن استبدال مصطلح الشعب الكُردي بالمكون الكُردي، وما يترتب عليه من عبء ثقيل سياسياً وجغرافياً، وعدم وجود العلم الكُردي في قاعة إعلان الوثيقة. يقابل ذلك كله الوضع السيئ لأحد أبرز الأحزاب المؤسسة والفاعلة ضمن المجلس الكُردي، المتجه نحو خطر الافتراق بينهم. ودرجت العادة ضمن المجلس إلى قبول طرف واحد، أو إبعاد طرفي الخلاف ضمن الحزب الواحد. ولكن الوضع اليوم يختلف، لثلاثة أسباب متداخلة:
الأول: لم يعد الوضع التنظيمي والداخلي للمجلس الكُردي يحتمل مزيداً من الضعف وفقدان
قواه الموجودة، لطالما بقي بهذه الحالة. تبقى ربما ورقة الغربلة والفرز الواجب، قبل أي استحقاق مقبل، النقطة الفصل في كل شيء مُقبل.
الثاني: أن حزب "يكيتي" الكُردستاني، لو تمت عملية التباعد بين الجناحين المُختلفين، وقبول طرف واحد فقط، فسيلجأ الطرف الآخر حتماً، ولأسباب تتعلق بالكيدية السياسية، والبراغماتية النفعية للتوجه صوب التحالف مع الاتحاد الديمقراطي أو الدخول في إحدى الحلقتين، حزبي (الوحدة والتقدمي) أو ما بقي من أحزابٍ خارج الأطر المذكورة من التحالف الكُردي في سورية الذي يضم أحزاباً كردية أخرى.
الثالث: أي تحالفات حزبية كُردية جديدة في سورية، خصوصاً لمن تمتلك قواعد وحواضن شعبية، وإن بدرجات مختلفة، ولو لم تشكل خطراً مُحدقاً على رغبة الوطني الكُردي في امتلاك نواصي القرار الكُردي، فإن الحد الأدنى من الخطر المقبل سيتمثل عبر قوة مُعارضة فاعلة، وذات وجود جماهيري في المنطقة. ويُمكن هنا الاتكاء على عكاز الأدب في القول، خيرٌ من الجزالة السياسية في السرد الوصفي: إنهم يصعدون من الأسفل، وربما يقبعون في القاع، إن تزلزلت اللوحة بغير اتجاه.
قبل أشهر كانت الحيرة تتصدر مُحيّا قيادات التقدمي لرفض الوطني الكُردي، والاتحاد الديمقراطي، دعوتهم إلى عقد اجتماع طارئ، والتوجه صوب دمشق، كأحد الخيارات المطروحة، فالفشل في إعلان تشكيل سياسي كُردي جديد، ليس بالأمر الهين لديهم. وعام 2015 حصد حزب الوحدة الفشل، بعد نجاحه في انتخابات الإدارة المحلية في عفرين. أخذ الخيال والشطط بالاتحاد الديمقراطي نحو إلغاء نتائج الانتخابات، هكذا ببساطة وشكراً.
يشغل حزب الوحدة عضوية التحالف الكُردي في سورية، وعضوية مجلس سوريا الديمقراطية، بينما شريكه التقدمي يترفع عن الانضمام إلى التشكيلين المذكورين، لكن البيان المنشور لم يشر أبداً إلى تلك الأطر، ورؤيتهما السياسية للحل في سورية، ما قد يفتح باب التأويل عن انسحاب الوحدة منهما، أو انضمام أطرافٍ أخرى إلى الوثيقة المشتركة.
كِلاهما فقد الثقة بالاتحاد الديمقراطي، لأن الأخير يرفض الزعامات الفعلية والمؤثرة خارج أسرابه، ويمنح في المقابل أدواراً رديفة تفتقد صلاحية الطرح الحازم للقضايا السياسية والاقتصادية. لو بقي الحزب الديمقراطي التقدمي ضمن الوطني الكُردي، أو لم يُعد الوحدة إلى حضن التقدمي، ما كان ليُشبها مزاجهما التاريخي المعروف في شق طرقٍ خاصة بهم، فرهبة الريادة تأبى الوجود مع الآخرين في مستوى واحد، تقابله خسائر متتالية لغريمهم التاريخي، غير المُتعظ من التجارب التاريخية، والأهم امتلاكهم الخطة المُنتظرة.
تبدو الحالة السورية في الخارج منحازة للوطني الكُردي، بسبب عصرهِ حصرية التمثيل الكُردي في نفسه فقط، أو رُبما يوجد حزب الاتحاد الديمقراطي ضمن اللجنة الدستورية، ليس قبل
التوافق الداخلي بينهما. تغيرات موازين القوى ستؤثر على الوضع داخل الحزبين (الوحدة، التقدمي)، فلن يكونا على ما يرام لو توجه "الاتحاد الديمقراطي" صوب الانخراط مع المجلس الكُردي في اتفاق سياسي، فالأخير يرى أن الممثل الحقيقي لحزب الوحدة، بعد انشقاق مجموعة من أعضائه، موجود ضمن هيكليته، و"التقدّمي" مُرحب به بالطريقة التي يرغبها "الوطني الكُردي"، لا كما تشتهيها مزاجيته الخاصة.
تغيّر الكتل السياسية توجهاتها، أو تجد في الطروحات الجديدة موطئ قدمٍ لها، ولم تعد معالجة القضايا القومية كسابق عهدها، ويحقّ للجميع، مُمارسة السياسة التي يرونها مُناسبة، وليس ممكنا نعت المُختلفين مع الآخرين، بتوصيفاتٍ تقود إلى سدّ وإنهاء أيّ حوار قبل بدئه، ولكن لكل طرف أن يتحمل تبعات مواقفه.
يبدو أن خريطة التحالفات الكُردية في سورية تتجه صوب التغيرات النهائية، تبعاً للمتبدلات التي تطرأ على الساحتين، السورية والإقليمية، ومن المتوقع أن نشهد ولادة تكتلات جديدة مثل: حزبي التقدمي والوحدة، المجلس الوطني الكُردي، الاتحاد الديمقراطي، وتفعيل رسالة عبدالله أوجلان الموجهة أخيراً إلى الكرد، عبر تخفيف حساسية تركيا.
تقارب الكتلتين الأولى والثالثة، مع ما يعانيه المجلس من وضع صعب داخلياً وميدانياً، وما قد يؤثر على وجوده الخارجي، سيحشر المجلس في الزاوية الضيقة، وستكون محاولة لتغييب أي دور إقليمي (كُردي - تركي) في المنطقة، أو إضعافه على أقل تقدير. وتقارب الثاني والثالث سيعني وجود خطين سياسيين ضمن المنطقة الكُردية مستقبلاً: أولهما إقليم كُردستان العراق، تحالفات كُرد سورية، تركيا، المعارضة السورية، وثانيهما التكتل الأول مع دور المركز في المناطق الكُردية.
أكثر من نصف قرن والأحزاب الكُردية في سورية تسعى إلى تشكيلات منسجمة أو متآلفة، والنتائج دوماً هي نفسها. يبدو أنه بات من الأفضل فض الشراكات الهشّة بين الأطراف المنتسبة إلى مزاجيات مُتباغضة، والخروج بثلاث كتل أو اثنتين على الأقل، يُمكن معها البدء بحياةٍ سياسيةٍ تسعى إلى خدمة المواطن في المنطقة، وخدمة الأجندات الخاصة بشكل اعتيادي.
يتقاطع توقيت الطرح مع جملة مُستجدّات، رُبما شعر الطرفان بعدم اندماجهما، أو عدم حظيهما بما يشفي جموحهما نحو ريادة العمل السياسي وناصيته في سورية. تتقاطع المُركّبات في طرحهما مع الوضع الجديد، من تسريباتٍ عن حواراتٍ مُمكنة بين المجلس الكُردي والاتحاد الديمقراطي، وكذا التسريبات الإعلامية عن رغبة فرنسا بتقريبهما. الهزيمة غير واردة في قواميس الطرفين، حتى وإن سلكا دروباً وعرة بالنسبة لكُردٍ كثيرين، أو اتخذا العاصمة السورية بحلّتها الحالية قبلة لهما، فسعى البيان الناعم واللين إلى إيجاد انسجام أو توازن بين ترقب الشارع الكُردي في المنطقة الكُردية، وما ينتظرهما في دمشق، وهو بالمناسبة (رغبة الحوار مع النظام) طرحٌ من غير استحياء أو دهاليز سرية. هو مشفوعٌ بعقلية الحزبين عن أحقية دمشق وأهليتها وأهميتها للحفاظ على الهوية الفرعية الكُردية في سورية، واقتناص ما يُمكن الحصول عليه من حقوق كُردية، كما يقولان، ورُبما تنتفي الحاجة لوصمهما بعباراتٍ خارج اللياقة. بيد أن السجال سيدور في قادم الأيام بشأن مضامين ومصطلحات رُبما تُعيد الوضع الكُردي خطواتٍ إلى الوراء، فما يملكه الحزبان من كفاءاتٍ يمنع عنهما الشفع أو المخارج عن استبدال مصطلح الشعب الكُردي بالمكون الكُردي، وما يترتب عليه من عبء ثقيل سياسياً وجغرافياً، وعدم وجود العلم الكُردي في قاعة إعلان الوثيقة. يقابل ذلك كله الوضع السيئ لأحد أبرز الأحزاب المؤسسة والفاعلة ضمن المجلس الكُردي، المتجه نحو خطر الافتراق بينهم. ودرجت العادة ضمن المجلس إلى قبول طرف واحد، أو إبعاد طرفي الخلاف ضمن الحزب الواحد. ولكن الوضع اليوم يختلف، لثلاثة أسباب متداخلة:
الأول: لم يعد الوضع التنظيمي والداخلي للمجلس الكُردي يحتمل مزيداً من الضعف وفقدان
الثاني: أن حزب "يكيتي" الكُردستاني، لو تمت عملية التباعد بين الجناحين المُختلفين، وقبول طرف واحد فقط، فسيلجأ الطرف الآخر حتماً، ولأسباب تتعلق بالكيدية السياسية، والبراغماتية النفعية للتوجه صوب التحالف مع الاتحاد الديمقراطي أو الدخول في إحدى الحلقتين، حزبي (الوحدة والتقدمي) أو ما بقي من أحزابٍ خارج الأطر المذكورة من التحالف الكُردي في سورية الذي يضم أحزاباً كردية أخرى.
الثالث: أي تحالفات حزبية كُردية جديدة في سورية، خصوصاً لمن تمتلك قواعد وحواضن شعبية، وإن بدرجات مختلفة، ولو لم تشكل خطراً مُحدقاً على رغبة الوطني الكُردي في امتلاك نواصي القرار الكُردي، فإن الحد الأدنى من الخطر المقبل سيتمثل عبر قوة مُعارضة فاعلة، وذات وجود جماهيري في المنطقة. ويُمكن هنا الاتكاء على عكاز الأدب في القول، خيرٌ من الجزالة السياسية في السرد الوصفي: إنهم يصعدون من الأسفل، وربما يقبعون في القاع، إن تزلزلت اللوحة بغير اتجاه.
قبل أشهر كانت الحيرة تتصدر مُحيّا قيادات التقدمي لرفض الوطني الكُردي، والاتحاد الديمقراطي، دعوتهم إلى عقد اجتماع طارئ، والتوجه صوب دمشق، كأحد الخيارات المطروحة، فالفشل في إعلان تشكيل سياسي كُردي جديد، ليس بالأمر الهين لديهم. وعام 2015 حصد حزب الوحدة الفشل، بعد نجاحه في انتخابات الإدارة المحلية في عفرين. أخذ الخيال والشطط بالاتحاد الديمقراطي نحو إلغاء نتائج الانتخابات، هكذا ببساطة وشكراً.
يشغل حزب الوحدة عضوية التحالف الكُردي في سورية، وعضوية مجلس سوريا الديمقراطية، بينما شريكه التقدمي يترفع عن الانضمام إلى التشكيلين المذكورين، لكن البيان المنشور لم يشر أبداً إلى تلك الأطر، ورؤيتهما السياسية للحل في سورية، ما قد يفتح باب التأويل عن انسحاب الوحدة منهما، أو انضمام أطرافٍ أخرى إلى الوثيقة المشتركة.
كِلاهما فقد الثقة بالاتحاد الديمقراطي، لأن الأخير يرفض الزعامات الفعلية والمؤثرة خارج أسرابه، ويمنح في المقابل أدواراً رديفة تفتقد صلاحية الطرح الحازم للقضايا السياسية والاقتصادية. لو بقي الحزب الديمقراطي التقدمي ضمن الوطني الكُردي، أو لم يُعد الوحدة إلى حضن التقدمي، ما كان ليُشبها مزاجهما التاريخي المعروف في شق طرقٍ خاصة بهم، فرهبة الريادة تأبى الوجود مع الآخرين في مستوى واحد، تقابله خسائر متتالية لغريمهم التاريخي، غير المُتعظ من التجارب التاريخية، والأهم امتلاكهم الخطة المُنتظرة.
تبدو الحالة السورية في الخارج منحازة للوطني الكُردي، بسبب عصرهِ حصرية التمثيل الكُردي في نفسه فقط، أو رُبما يوجد حزب الاتحاد الديمقراطي ضمن اللجنة الدستورية، ليس قبل
تغيّر الكتل السياسية توجهاتها، أو تجد في الطروحات الجديدة موطئ قدمٍ لها، ولم تعد معالجة القضايا القومية كسابق عهدها، ويحقّ للجميع، مُمارسة السياسة التي يرونها مُناسبة، وليس ممكنا نعت المُختلفين مع الآخرين، بتوصيفاتٍ تقود إلى سدّ وإنهاء أيّ حوار قبل بدئه، ولكن لكل طرف أن يتحمل تبعات مواقفه.
يبدو أن خريطة التحالفات الكُردية في سورية تتجه صوب التغيرات النهائية، تبعاً للمتبدلات التي تطرأ على الساحتين، السورية والإقليمية، ومن المتوقع أن نشهد ولادة تكتلات جديدة مثل: حزبي التقدمي والوحدة، المجلس الوطني الكُردي، الاتحاد الديمقراطي، وتفعيل رسالة عبدالله أوجلان الموجهة أخيراً إلى الكرد، عبر تخفيف حساسية تركيا.
تقارب الكتلتين الأولى والثالثة، مع ما يعانيه المجلس من وضع صعب داخلياً وميدانياً، وما قد يؤثر على وجوده الخارجي، سيحشر المجلس في الزاوية الضيقة، وستكون محاولة لتغييب أي دور إقليمي (كُردي - تركي) في المنطقة، أو إضعافه على أقل تقدير. وتقارب الثاني والثالث سيعني وجود خطين سياسيين ضمن المنطقة الكُردية مستقبلاً: أولهما إقليم كُردستان العراق، تحالفات كُرد سورية، تركيا، المعارضة السورية، وثانيهما التكتل الأول مع دور المركز في المناطق الكُردية.
أكثر من نصف قرن والأحزاب الكُردية في سورية تسعى إلى تشكيلات منسجمة أو متآلفة، والنتائج دوماً هي نفسها. يبدو أنه بات من الأفضل فض الشراكات الهشّة بين الأطراف المنتسبة إلى مزاجيات مُتباغضة، والخروج بثلاث كتل أو اثنتين على الأقل، يُمكن معها البدء بحياةٍ سياسيةٍ تسعى إلى خدمة المواطن في المنطقة، وخدمة الأجندات الخاصة بشكل اعتيادي.
مقالات أخرى
12 أكتوبر 2024
30 سبتمبر 2024
15 سبتمبر 2024