اللقطة الواحدة... حلم كل مخرج

03 فبراير 2016
المخرج ألفريد هيتشكوك (Getty)
+ الخط -
في عام 1948، وفي وقت مبكّر جداً من تاريخ السينما، فكر المخرج، ألفريد هيتشكوك، في صنع فيلم يتكوّن من لقطة واحدة فقط دون قطع. أن تدور الكاميرا بكلمة "أكشن" ومع كلمة "كات"، يكون الفيلم قد انتهى بعد أن دار الحدث كله داخل اللقطة وفي زمنٍ حقيقي. استقر هيتشكوك على حكاية فيلم يدعى Rope، يستغرق وقته في الزمن الحقيقي، لمدة ساعةٍ وثلث ساعة، وداخل مكانٍ واحد، عن قصّة لطالبين يقتلان زميلا لهما، ويضعان جثّته داخل صندوقٍ يقع تماماً في منتصف المنزل، حيث سيبدأ بعد قليل حفلُ عشاءٍ يحضره والدا القتيل، وزملاؤه، وبعض المدرّسين. وكلُّ شيء يحدث أمام المشاهد نفسه، الذي يكون "مدعواً" زائداً للحفل، ولكن بمعلومةٍ إضافيَّةٍ عن جثّةٍ موجودة داخل الصندوق.


التقنية عائق أمام اللقطة الواحدة
المشكلة التي واجهها هيتشكوك وقتها، ارتبطت بالمعوّقات التقنيّة، حيث إنَّ بكرة خام السينما الـ35 مللي التي كان يتم تصوير الأفلام عن طريقها، لا تُسجّل أكثر من 4 دقائق ونصف الدقيقة، وبالتالي، فهو مُجبر على القطع بعد تلك المدة. ولحل تلك المشكلة، قرر هيتشكوك عند نهاية كل لقطة، اللجوء إلى نقطة معتمة، كباب يغلق أو ممثّلٍ يقف أمام الكاميرا، وفي تلك الثانية أو الثانيتين الفاصلتين، يحدث الدمج بين بكرة الخام والتي تليها، وفي النهاية، يبدو الفيلم كله كأنَّه لقطة واحدة.

كان إنجازاً حقيقيّاً في زمنه، وهو فيلمٌ عظيمٌ وقيّم جداً، ويستفيدُ من فكرة اللقطة الواحدة، سواء لتوريط المشاهد، أو لزيادة شعوره بالزمن. بعدها بعدة سنوات، وصفه المخرج الفرنسي الشهير، فرانسوا تروفو، في كتابه عن ألفريد هيتشكوك، بأن "هذا الفيلم يمثل شيئاً هامّاً جداً بالنسبة للحياة المهنيّة لسينمائي جيله، فهو تحقيقٌ لحلمٍ يداعب كلّ مخرج في لحظةٍ من حياته، حلم أن يربط الأشياءِ ببعضها، بقصدِ أن تقتصر الحصيلة على حركةٍ واحدة فقط".

منذ تلك اللحظة، ولمدّة نصف قرنٍ بعدها، لم يفكّر أي مخرج آخر في تحقيق الحلم الذي يراوده، بصنع عملٍ في لقطة واحدة. انتشرت اللقطات الطويلة Lone Take، وبعض المخرجين عُرفِوا بإتقانها واعتمادهم عليها، مثل الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني، أو اليوناني ثيودور أنجلوبوليس، أو الروسي أندريه تاركوفسكي، أو المجري بيلا تار وغيرهم، ولكنّ أحداً لم يحقق فيلماً كاملاً في لقطة واحدة حتى عام 2000.

فائض في التجريب
في عام 2000، كانت كاميرات الديجتال قد بدأت في الظهور، وأصبح متاحاً، فعلاً، أن تصوّر الفيلم في لقطةٍ دون الاضطرار للقطع كل 4.5 دقائق. وكان المخرج، مايكل فيجس، هو أوَّل من حاول استغلال ذلك في فيلمه Timecode، حيث يدورُ حدثٌ في الزمن الحقيقي، من حياة 4 شخصيَّات، تنقسم الشاشة بينهم، وكلُّ منهم تتحرَّك الكاميرا معه لمدّة ساعة ونصف الساعة، وللمشاهد حق النظر في أي مربع. "كان فيلماً تجريبيّاً لدرجة زائدةٍ عن الحد"، بحسب وصف أحد النقاد، لم يكتفِ فيجس باللقطة الواحدة، ولكنَّه أضاف فكرة الـ4 حيوات المختلفة المقسَّمة على الشاشة، وبسيناريو ركيك أيضاً، لم ينجح الفيلم، واقتصرت أهميَّته بعد ذلك، في كونه أوَّل من حاول تجربة ما أصبح متاحاً، الآن بشأن اللقطة الواحدة.

تاريخ روسيا في لقطة واحدة
الإنجازُ الحقيقيّ للقطة الواحدة حدث بعد ذلك بعامين، حين أخرج المخرج الروسي، أليكسندر سوركوف، فيلمه Russian Ark. تقول الجملة الدعائية للفيلم: "2000 ممثل، 300 عام من تاريخ روسيا، 33 غرفة، ولقطة واحدة مستمرة". تحدي سوركوف وإنجازه كله يتمثّل في تلك الجملة، حيث يأخذ المشاهد في رحلة بين غرف ولوحات متحف الأرميتاج الروسي، وفي كل غرفة، حائطٌ ولوحةٌ تجسد حقبةً ولحظة من التاريخ مُجسَّدة وسارية. واستفادة سوروكوف من اللقطة الواحدة، إذْ كان مختلفاً عن أي مخرج آخر، حيث لم يتعلّق بالزمن فقط، بل بالمكان أيضاً، وتحويل التاريخ لشيء مُجسَّد داخل الغرف، كأنَّه عالمٌ حيّ وقائمٌ بذاته، ولم يبارِح الحاضر بعد. ومع الوضع في الاعتبار، عدد الممثّلين، وأنماط الديكورات، وشكل الأحداث التي يحملها الفيلم، فإنَّه كان إنجازاً فنيّاً بكلّ المقاييس وفيلماً قيّماً جداً في تاريخ السينما.

إقرأ أيضاً: أفضل 10 أفلام في مسيرة توم كروز


Birdman تألُّق في عالم اللقطة الواحدة
منذ فيلم Russian Ark، لم يخرج أي فيلم سينمائي مهم يُطبِّق فكرة اللقطة الواحدة. هناك تجربة في إيران، مثلاً، بعنوان Fish and Cat. وتمَّ إخراج فيلم غير احترافي هندي بعنوان Agadam، ولكنَّها كُلَّها أفلام تجاريّة، تستغلُّ بمراهقة فكرة الإتاحة التكنولوجيّة، ووجود كاميرات ديجتال. وتقتصر الحركة داخل مكان واحد، ولا يُعتدُّ بها بأي حال. التجربة المهمَّة الحقيقيَّة في هذا السياق كانت فيلم Birdman للمخرج، أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، عام 2014، والذي حاز على أوسكار أفضل مخرج وفيلم وتصوير، حيث صُوِّر في لقطات طويلة جداً، تمَّ مونتاجها لتبدو في النهاية كلقطةٍ واحدة، بشكلٍ متطوّر عن فيلم Rope، وفيه كان يحاول إيناريتو استغلال التقنية من أجل منح فيلمه روح المسرح. حيث يدور الفيلم حول مسرحية، يقوم بها ممثل قديم يبحث عن دور جديد.

وفي عام 2015، أخرج المخرج الألماني سبيستيان شيبر فيلمه Victoria، حيث فاجأ النقاد والجمهور في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين في شهر فبراير/شباط الماضي، "ليلة واحدة، مدينة واحدة، لقطة واحدة"، و140 دقيقة دون قطع في الزمن الحقيقي، و22 موقع تصوير داخل برلين، في إنجازٍ تقني جديد للسينما واستخدام آخر لـ"حلم كل مخرج" في اللقطة الواحدة.


إقرأ أيضاً: 5 ممثلين رفضوا دور "جيمس بوند"
المساهمون