اللاجئون في المجر... ضحايا حسابات اليمين المتطرّف

07 سبتمبر 2015
واصل اللاجئون زحفهم إلى النمسا من المجر (أليس بينو/الأناضول)
+ الخط -
حين يشكو معظم اللاجئين في المجر، من "صدمة" الوافدين الجدد لتصرّفات السلطات المجرية، مقارنة بتعامل سلطات مقدونيا وصربيا معهم، فلا بدّ أنهم عانوا أكثر منهم، خصوصاً هؤلاء الذين أعادتهم ألمانيا منذ سبعة أشهر إلى المجر. على أن اللاجئين الجدد والقدامى باتوا أسرى تشعّبات سياسية وأمنية وتداخل مصالح، يكشف فيها المجريون عن "سيطرة شبه مطلقة على القرارات السياسية الداخلية والخارجية والأمنية" لتحالف "فيديس" (يمين الوسط الحاكم)، بالوقوف وراء سياسات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

البرلمان الذي يفترض فيه مراقبة ومراجعة سياسات الحكومة، يُمارس مهام "المُساند" لتلك السياسات، بأغلبية يمينية مهيمنة على حوالي 140 مقعداً، في مقابل 40 مقعداً لمجموع اليسار ويسار الوسط. وتمتد تعقيدات المشهد إلى تصريحاتٍ يُفهم منها كيف أن السياسة المجرية لا تُحبّذ وجود مهاجرين ولاجئين خصوصاً من العرب. وهو ما كشفه رئيس البرلمان المجري لاسلو كوفر، يوم الجمعة، بعد إطلاقه تصريحاً سياسياً بامتياز، على وقع الصورة المؤلمة لمنظر اللاجئين السوريين أمام وسائل الإعلام، سائلاً "ما الذي يُجبر الشعب السوري المخاطرة بأبنائه لنتحمّل نحن المسؤولية؟ الأفضل لهم أن يبقوا في بلادهم".

لكن كيف أمكن ليمين الوسط المجري، وبعلاقات روسية وتأثير حزب "يوبّيك" (حزب يميني قومي متشدد)، أن يهيمن بهذا الشكل؟ يشرح الناشط ساندراي لاتسي ذلك: "عدا عن أن اليسار أصبح ضعيفاً ولا يملك تأثيراً كبيراً في التحوّلات السياسية المستمرة، فإن الانتخابات الثانية (الأولى في عام 2014 والثانية في العام الحالي) تمّت بنجاح لأوربان، بعد أن مرر قانوناً يقضي بمنح مليوني إنسان الجنسية المجرية في البرلمان السابق. ومعظم هؤلاء حصلوا عليها بمجرد إثبات، أن أحد أجدادهم أو والديهم، كان يوماً ما من أصول مجرية. صوّت له كل هؤلاء، وأصبحوا كتلة ناخبة يتمسّك بها اليمين على الرغم من مشاكله الاقتصادية والخارجية".

اقرأ أيضاً: 8 نجوم عالميين وقفوا منذ البداية مع اللاجئين السوريين

ويضيف لاتسي أن "هذه السياسة هي التي تجعل من قصة اللاجئين، إحدى أهم قضايا المجر، لعبة سياسية واضحة متأتية من تجارب بلدان يحكمها اليمين، وتقضي بتوجيه الأنظار بعيداً عن المشاكل الأساسية في المجتمع، وإلقائها على كاهل الآخرين".

يعتقد ناشطون آخرون، أن رئيس الوزراء المجري يمارس "لعبة ابتزاز مالي وسياسي مع الاتحاد الأوروبي"، وفقاً لما يقول تيبور أوغست. ويرى أوغست أن "سيطرة أوربان تعززت باتفاقيات مع الروس، لحاجتهم إليه في مناكفة دول الاتحاد الأوروبي. أما اليسار ويسار الوسط، فخائفون من المدّ اليميني القومي، الذي تعززه سياسات إعلامية خطيرة في بلادنا، ففي الضواحي والأرياف البعيدة عن مراكز المدن، بات السكان يدعمون اليمين المتطرّف المتمثل في يوبّيك وحليقي الرؤوس والحركة النازية الجديدة".

وقد كشف سكان الأرياف عن آرائهم علناً خلال برنامج تلفزيوني، يوم الجمعة، هدف إلى نقل آرائهم في اللاجئين. وظهر حجم الدعاية السلبية ضدّ اللاجئين، و"خطرهم على المجر". وتشابهت الإجابات بما يُعزّز الصورة النمطية عن المهاجرين السائدة في أوساط اليمين، مثل: "إنهم مجرمون، وعنيفون يغتصبون النساء، ومخالفون للقوانين، ويركبون الحافلات والقطارات مجاناً، وتتفشى بينهم الأمراض…"، وغيرها من التعابير المُهاجمة. وحدها امرأة مُسنّة كان لها رأي مغاير: "لم أرَ من هؤلاء اللاجئين شيئاً سلبياً، أسير بدراجتي يومياً بينهم من دون مشكلة معهم".

لكنَّ لكلام سكان الأرياف بعداً آخر، فالسياسة الإعلامية المجرية تنصّ على أن القنوات الرسمية الوطنية تبثّ مجاناً، خصوصاً في الأرياف. ويُهيمن على تلك السياسة طبقة سياسية واقتصادية من يمين الوسط، أما القنوات الخاصة، الموزعة بين اليمين القومي المتشدد ومستقلين، فلا يُمكن مشاهدتها إلا ببدل اشتراك.

لذا يسهل تمرير تلك الحملة في الأرياف، بفعل تزعّم "يوبّيك" والقوميين المتطرفين في بودابست، الوسائل الإعلامية، فتصل "مفلترة" إلى السكان. أما اليساريون فلا يملكون سوى صحيفة ماجرهيلروب، وهي الأكثر انتشاراً، وصحيفة ماجرنامزات، لكنهما لا يستطيعان منافسة القنوات التلفزيونية".

وساهمت وسائل الإعلام في تشويه حملة إنسانية، حين حاول بعضهم من كتلة الاشتراكيين والخضر، نقل اللاجئين من محطة بودابست إلى قطعة أرض داخل العاصمة. وحين بدأت وسائل الإعلام تبثّ الحدث، "فجأة" أصبح لشبيبة "التجمّع القومي" اليميني المتشدد، تعاون علني مع النازيين الجدد وحليقي الرؤوس، من الحركة العنصرية. وأتوا رافعين يافطات داخل بودابست كُتب عليها "المجر للمجريين… قطعة الأرض هذه للمجريين…"، قبل أن تأتي مجموعات حليقي الرؤوس، التي تمارس العنف والترهيب في حق الأجانب، وتحتلّ قطعة الأرض لترهيب السياسيين الآخرين.

في هذا الصدد، يقول الناشط في حزب "الخضر" إيفان أندرياس، لـ"العربي الجديد"، إنه "في دول غربية أخرى، هناك يمين متطرّف على علاقة باليمين المتطرف في بلدنا. وهو أمر يعرفه اليسار ويسار الوسط ومثقفون. يصرّح اليمين عن نفسه في المجر بفجاجة أكبر مما يجري في دول الشمال الإسكندنافي وألمانيا وغيرها. وفي بعض الأحيان تصدر تصريحات عنصرية عن المسلمين، وإن لم تصل حدّ ما وصلت إليه في سلوفاكيا، عن تفضيل استقبال أتباع دين محدّد على دين آخر من اللاجئين. نحن نعيش مأزقاً وطنياً، كشفت عنه صراحة ووضوح الخطاب القومي المتطرف، فلم يعد حتى للغة الدبلوماسية مكان في وسائل الإعلام، التي تنقل المجتمع إلى حالة من التطرّف غير المسبوق بين جيل الشباب في بلدنا".

اقرأ أيضاً: النخب الألمانيّة ترحّب باللاجئين

ويستغرب أندرياس "كيف يرفع اليمين المتطرّف شعارات معادية للسامية، في الوقت الذي يدعم فيه توجّهات رئيس الوزراء، ثم تذهب حكومة بلادنا للتعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي للاستفادة منها في بناء الجدران وفي القضايا الأمنية؟ وكيف لروسيا أن تشجع على كارثة السوريين، عبر منح المزيد من الدعم والتشجيع لحكومة أوربان، وفي الوقت عينه تدّعي تضامنها مع الشعب السوري؟ لقد حولوا اللاجئين إلى حصان طروادة في علاقتهم مع الاتحاد الأوروبي وهؤلاء البشر يدفعون الثمن الباهظ بحياتهم".

ما يتحدث عنه أندرياس واقع يمكن تلمّسه من خلال نجاح الحملات الدعائية لليمين، على صعيد تطبيق سياسة "بناء معسكرات لجوء". وبات الرفض علنياً لنقل اللاجئين من الحدود الصربية حتى الحدود الشمالية للمجر، كما جرى في مدينة ديبريشين، التي يرفض سكانها وجود أي لاجئ بينهم. وقد أكد أوربان لسكان المدينة بأنه "لن يكون لديكم المزيد من اللاجئين، حتى أنني أريد إغلاق هذا المعسكر، ولا أريد بقاءهم في بلادنا" حسبما نقل عنه موقع "أنديكس".

عوامل عدة تجعل من استغلال اليمين المتشدد في المجر لقضية اللاجئين أولوية على سلم القضايا الأخرى، وليس أقلها تجارية واقتصادية، تؤدي فيها دوائر متنفذة دوراً فاعلاً، يُعدّ الاقتراب منه "سبباً لمشاكل كبيرة"، وفقاً ما ذكر أحد الناشطين المجريين لـ"العربي الجديد". وأضاف "صحيح أننا نظام برلماني وديمقراطي، لكن للأسف استطاع اليمين المتشدد أن ينسج شبكة مصالح أعادت المجر، خصوصاً أريافها، إلى عهود سابقة للتحولات التي جرت في بلدنا".

في السياق ذاته، يُعلّق المغترب والتاجر السوري، الناشط في مجال مساعدة اللاجئين، محمد دهان، "نحن أمام مشهد يزداد تطرّفاً في لعبة سياسية، وضع اليمين كل ثقله فيها. تشعر وكأن أوربان يتقصد أن تحدث مثل تلك التجمّعات للاجئين وتظاهراتهم ومحاولاتهم للخروج كما حدث الجمعة، باتجاه الحدود النمساوية. هذا التهويل هو ما يعتاش عليه لحرف الأنظار عن كثير من مشاكل المجر الداخلية. إنهم يتلاعبون بعواطف المجريين، وبحكم وجودي هنا لأكثر من 30 سنة أرى أنهم ينجحون ويُحمّلون الضحايا مسؤولية ما يجري لهم".

اقرأ أيضاً: الخليج واللاجئون السوريون... دعمٌ ولا استقبال

ويشرح "أبو محمود الحلبي"، وهو سوري مقيم منذ أكثر من ثلاثة عقود في المجر، ما يجري بحقّ اللاجئين. ويقول "جرى التضييق حتى على تقديم المساعدات لهم من المجريين العاديين، فالقوانين أصبحت صارمة وشديدة جداً وتطاول قانونياً من يؤوي أو يساعد اللاجئين. وقد كنّا نُسيّر بالاشتراك مع تجار محلّيين، ومن دول مجاورة، سيارات تحمل بعض أبسط الاحتياجات، وإذ بنا ـ نحن والمجريين المتضامنين ـ مع اللاجئين، نصبح في نظر هذه الحكومة مشتبهاً بنا بتقديم المساعدة والإيواء".

يسهب أبو محمود الحلبي في شرح ما يجري "حتى هؤلاء اللاجئين الذين اضطرت حكومة أوربان منحهم إقامات، بعد أن أعادتهم ألمانيا قبل أشهر، يُرمى بهم في الشارع، ولا أحد يجرؤ على إسكانهم وتأجيرهم حتى غرفة. والأنكى من ذلك، أن من حصل على تلك الإقامة، مدة خمس سنوات، لا يحقّ له لم شمل عائلته، أي زوجته وأطفاله، إلا إذا كان يحمل إقامة عشر سنوات. هذا أمر مثبت ويعرفه من يقيم في المجر".

في المقابل، ينتقد الناشطون في الجانبين المجري والعربي، غياب التنظيم بين صفوف اللاجئين وهيمنة الفوضى. ويردّ اللاجئون بالقول إنهم "يعتبرون المجر مجرد ترانزيت عبور، لا لنقيم فيها". وبين اللاجئين وجهات نظر مختلفة ومتعددة، إذ إن الخلفيات السياسية لكثير منهم، تسبّب في حساسيات تُبعدهم عن الاتفاق على خطوة محددة كما حدث، يوم الجمعة، في محاولة قطع الطريق نحو النمسا سيراً على الأقدام. ولم يستجب جميع اللاجئين السوريين لهذه الدعوة.

كما أنه لا ينتمي جميع اللاجئين إلى سورية، فحول محطة بودابست يقول لك الجميع إنهم من سورية، لكن سرعان ما تكتشف حين تتحدث العربية معهم أنهم ليسوا، بالفعل، سوريين، بل أفغاناً وآسيويين، يدعون أنهم سوريون. وقد خلق ذلك حساسيات وإشكاليات داخلية بين اللاجئين، وبات يُمكن مشاهدة، كيف باتت المساحات المحيطة بالمحطة، موزّعة "جغرافياً" بين مختلف الجنسيات.

التهريب

من الحكايات المؤلمة في أوروبا في الأيام الحالية، رسمياً وشعبياً، هي قصص التهريب، التي كشف ضحاياها في الأسابيع الأخيرة عن وجه الموت الدامس. وعكس ما يعتقد بعضهم، فإن معظم حالات التهريب تنتهي في المجر. مع العلم أنها تكون قد بدأت منذ ما قبل الوصول إلى الحدود اليونانية ـ المقدونية، منها ما يأتي من البحر إلى الجزر اليونانية، ومنها براً عبر تركيا.

وقد حصلت ثلاث حالات تهريب بعد تظاهرة، يوم الجمعة، لقطع الحدود من المجر باتجاه النمسا، حتى أن بعض الهاربين تحدث بصراحة لـ"العربي الجديد". ويقول أحدهم: "لم يبق أمامنا سوى مهرب واحد، وهو العبور بالشاحنات تهريباً ولو اختنقنا حتى الموت". في إشارة إلى الشاحنة النمساوية، التي فجّرت الوضع أوروبياً، في شهر أغسطس/آب الماضي، بعد اكتشاف 71 جثة فيها، تعود لمهاجرين سوريين.

وقد دفعت حالة اليأس في العاصمة المجرية بودابست ثلاث مجموعات من اللاجئين، تضمّ كل واحدة منها 15 شخصاً تقريباً، يتحدثون العربية. تتجمّع المجموعات التي تضمّ رجالاً ونساء وأطفالاً خلسة، في وقت متأخر من الليل أو فجراً، في أحد الفنادق النائية والبسيطة، ويتم حجز سرير نوم بـ28 دولاراً للمجموعة الواحدة. من الطبيعي أن كثراً لا ينامون قبل الانطلاق. مع العلم أنه حين تلتقي أحدهم وتسأله عن كيفية تدبيره الأموال اللازمة لدفع ثمن التهريب بشاحنة، يقول لك: "لي ابن عم سيدفع لي ثمن التهريب في الشاحنة من السويد، ولكنني اخترت ألمانيا لأعيش فيها".

وحين تسأل بعض العارفين العرب، وجلّهم من المُقيمين في المجر منذ عقود، عن "التهريب وعصاباته" تجد غرابة في صمتهم. بعضهم لا يبوحون كثيراً بكل ما يعرفونه من معلومات، باستثناء حالة واحدة، قال فيها أحد المقيمين العرب حرفياً: "ليس هناك من عصابات تهريب أو مافيات تعمل خلسة، بل إن المافيا والعصابات تعمل برعاية رسمية. وتلك واحدة من الكوارث التي لن يخوض فيها كثيرون لأنها تشكل فضيحة على المستوى الرسمي والشعبي".

اقرأ أيضاً: رعب اللاجئين بالمجر ومحاولات السير نحو النمسا

المساهمون