اللائحة طويلة... إذًا الخيارات صعبة

08 يوليو 2019
كايسي آفلك: أحد نجوم "كارلوفي فاري الـ54" (فيسبوك)
+ الخط -
مع إعلان البرنامج الكامل لمهرجانٍ سينمائيّ دولي، عشية بدء دورة جديدة له، يحتار الناقد أمام تلك اللائحة الطويلة من الأفلام والبرامج والمسابقات والتكريمات والاستعادات والندوات واللقاءات. الكمّ هائل، لكن النوعية غير واضحة تمامًا، فالمُشاهدة والمتابعة كفيلتان، وحدهما، بكشف جودة النوعية، أو عدم جودتها. مع الإعلان هذا، يبدأ البحث والتنقيب والسؤال، وهذا عاملٌ يُساعد الناقد على تبيان عناوين عامّة، تُتيح له وضع برنامج أوليّ، ربما يتغيّر لاحقًا، وفقًا لمعاينة ميدانية تنطلق غداة حفلة الافتتاح. 

هذا عاديّ. مهرجانات دولية عديدة تزخر بأفلام ونشاطات تُغري الناقد والمهتمّ والمتابع بما تُقدِّمه من جديدٍ، يُفترض به أنْ يُثير متعًا مختلفة. الاهتمام بتفاصيل متعلّقة بالصُوَر السينمائية وأنماط الاشتغال والاختبارات البصرية والفنية والدرامية والجمالية المعتَمدة، لن تحول دون انتباه إلى المواضيع والمعالجات والكشف والتعرية. هذا، بحدّ ذاته، يضع الناقد أمام معضلة أساسية: كيف يختار ما يتمنّى أن يحثّه على معاينة هذا كلّه، بدلاً من الوقوع في الباهت أو الممُلّ أو النافر، وبعض خيارات عاملين في مهرجانات دولية تقع في هذا المطبّ؟ كيف يختار ما هو أهمّ وأجمل وأعمق، وهذا لن يكون حكرًا على أفلام المسابقات الرسمية، فالبرامج والنشاطات الأخرى تعرض الأهمّ والأجمل والأعمق، غالبًا؟ كيف يختار الناقد، فيكون خياره صائبًا؟

هذه مشكلة. فرغم حضوره هذا المهرجان أو ذاك، عامًا تلو آخر، يبقى سؤال اختيار الناقد للأفلام الأكثر طغيانًا، والأكثر عجزًا عن العثور على إجابات شافية، قبل المُشاهدة. سؤال يُلحّ عليه دائمًا، فالمسابقات الرسمية، التي يُفترض بها أن تعكس جوهر الخيارات الأساسية للمهرجان، لن تفلح دائمًا في عملية الانتقاء، ما يتناقض، أحيانًا عديدة، مع عثور مديري برامج ومسابقات أخرى في المهرجان نفسه على الأهمّ والأجمل والأعمق.

يحصل هذا في مهرجانات دولية، كبرلين و"كانّ" والبندقية، المُصنَّفة فئة أولى. لكن مهرجانًا، كذاك الذي يُقام في المدينة التشيكية كارلوفي فاري، يُتيح فرصة مشاهدة أفلامٍ معروضة في مهرجاني برلين و"كانّ" تحديدًا (فهو يُقام بعدهما)، ما يُخفِّف من حيرة الناقد، ولو قليلاً، إنْ يحضر المهرجان التشيكي، الذي يُقدِّم خيارات كثيرة ومُربكة، في الوقت نفسه. تخفيف الحيرة نابعٌ من قراءات وتعليقات ومتابعات نقدية لأفلامٍ لم يُشاهدها في المهرجانين هذين، ما يُساعد (ولو قليلاً) على اختيارٍ أفضل. مع هذا، يصعب التكهّن بصوابية الاختيار، فالمُشاهدة وحدها كفيلةٌ بتبديد الالتباس.

في دورته الـ54، المُقامة بين 28 يونيو/ حزيران و6 يوليو/ تموز 2019، يُقدِّم "مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي" 16 برنامجًا، بينها 3 مسابقات أساسية، أوّلها المسابقة الرسمية. العدد الكامل للعناوين المختارة يبلغ 181 فيلمًا. صحيحٌ أن بعض الأفلام مُنتجة قديمًا، ومنضمّة إلى لائحة الأعمال الكلاسيكية، فيشاهدها الناقد في مناسبات سابقة. لكن الغلبة لجديدٍ، وبعض الجديد معروضٌ في برلين و"كانّ".

الأيام الـ9 تلك مساحةٌ للمُشاهدة والمتابعة والتوغّل قليلاً في كواليس المهرجان، ومناسبة أكيدة لمزيد من مُتعٍ يمنحها المهرجان والمدينة معًا، وتصنعها سينما منبثقة من مجتمعات وأفكار ووقائع وحالات وانفعالات، يرغب الناقد في معرفتها أكثر فأكثر عبر أفلامها. رغم هذا، لن تتبدّد الحيرة كلّيًا، إذْ يتساءل الناقد دائمًا عن أفلام غير متمكّن من مُشاهدتها، منتظرًا أول فرصة ممكنة للتحرّر من وطأة الحيرة وتساؤلاتها.
المساهمون