هل تسعى الكتابة التي تقترحها الأصوات "الجديدة" في سورية، إلى ثورة ثقافية تهضم العنف السياسي، وتنتمي إلى صرخة الإنسان وأحلامه بالحرية والعدالة؟ حسبما يقع بين يدينا من محاولات كتابية، لا تبتعد مشاهداتها عن الانقسامات الاجتماعية بعد الثورة (آذار/ مارس 2011)، فالنصوص المتبادلة على بعض المنابر أو الصفحات الافتراضية الشخصية، تُصنّف كاستنتاجات ذاتية أقرب ما تكون إلى ثقافة العناوين، دون أن تثير جدلاً أو تفتح أبواب التبادل ونقد أفكار دفعتنا الحرب إلى إعادة النظر بها وبرؤيتنا للعالم.
حاولنا أيضاً البحث عن مكاشفات تقدّم حالة تحتفي بالحياة أو ربما تسخر منها أو تنتقد أو ترمّم أو تصوّر أو تلتقط تفاصيل مختلفة في العراك اليومي، بعيداً عن "مهارات" اللغة في تزييف النقد الذي أُلبس ثوب "الشوفينية الثقافية" فتحوّلت الأحاديث المنشورة هنا وهناك إلى نسخ كربونية للانحطاط الجديد بأصوات من كانوا يبحثون عن متنفّس فكري لا تشوبه سلطة الإقصاء والتشهير والتخوين.
لكن هؤلاء "الكتّاب" ما إن وجدوا فرص الانطلاق حتى بدأوا باصطياد بعضهم على طريقة تناول الانكسارات الشخصية للأصدقاء في ما بينهم، لتتحوّل إلى مادة سخرية تفوح منها رائحة الكيد، وهو ما يمتد إلى نشر أحدهم كتاباً شعرياً أو مقالاً أو حتى تسجيله تعليقاً.
الأصوات التي تنطلق في المشهد كمقترحات "إبداعية" وتصل إلى شريحة لافتة من القرّاء، يردّ عليها زملاء الكار باستحضارات أبعد ما تكون عن الرأي، بل تتجه نحو "عصبية" التقليل من الشأن والتناول المجاني لأصحاب تلك الأصوات، بالشتائم المبطنة في "منشورات" أو "تغريدات" لا تحاكم المنتج المكتوب، بل تذهب نحو الذاتي – الشخصي لاستهداف الآخر بوصفه "جحيماً".
تبدو حالة التفتت الثقافي إلى حد كبير وكأنها امتداد للخصومات القديمة باختلاف الذائقة والأسلوب، وتترجمها الأصوات "المتناحرة" على أنها سجال "فكري"، بينما هي تصدّر للمتلقي أسوأ تغيّر في المنظومة الاجتماعية، التي من المفترض أنها "تنهض" من الاستبداد نحو الحرية واحترام المنجز الإبداعي الحر، وتناوله بمعزل عن الشخصنة وتصفية الحسابات.
إن شيطنة من لا يشبهنا أو يتطابق مع مواقفنا، هي مهنة تفرّغ البعض لممارستها على فوضى المنابر ووسائل اللاتواصل الاجتماعي، هؤلاء الذين لا يزالون على طرف المشهد، لم يتقدموا خطوة نحو ذواتهم بقدر ما اهتموا بدحر تجارب إبداعية في طريقها إلى النضوج. ربما استيقظ في موروثهم الأخلاقي أن لغة الرصاص في الكلمات، أسهل من التعاطي مع من يختلف عنهم أو لا يعجبهم. فهل يا ترى سوف يصبح للقتل الثقافي أولاد شرعيون، كنّا نعتقد أنهم "كتّاب" شباب؟