وأظهرت الوثيقة الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة، الي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن الشركات الراغبة في زيادة أسعارها تأثرت بارتفاع أسعار البنزين، وأثبتت ذلك في مستنداتها الواردة بملف الطلبات، الذي خاطبت به الوزارة ويوضح مدى أحقيتها في نسب الزيادة التي تتراوح ما بين 10% و25%.
ضغوط على القدرة الشرائية
وكانت الحكومة قد قررت مطلع أغسطس/ آب الماضي، رفع أسعار البنزين لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي، في شهر سبتمبر/أيلول، بنسب تتراوح بين 41% و83.3% حسب نوع الوقود.
ووفقاً للقرار الحكومي بزيادة أسعار البنزين، فإن سعر وقود 91 أوكتان (الممتاز) ارتفع من 65 فلساً ( 0.22 دولار) للتر الواحد إلى 85 فلساً ( 0.28 دولار)، وسعر وقود 95 أوكتان (الخصوصي) وهو الأكثر استخداماً من المواطنين الكويتيين ارتفع من 65 فلساً إلى 105 فلوس ( 0.35 دولار) للتر الواحد وسعر وقود بريميوم 98 (ألترا) ارتفع من 90 فلساً ( 0.3 دولار) إلى 165 فلساً (0.55 دولار) للتر الواحد.
وأشارت وثيقة وزارة التجارة والصناعة إلى أن السلع التي يطلب منتجون زيادة أسعارها تتعلق غالبيتها بقطاع الألبان والزيوت والأغذية بشكل عام، لافتة إلى دراسة مبررات الشركات بالزيادة المطلوبة للأسعار.
وحذرت وزارة التجارة والصناعة، خلال الساعات الماضية، التجار من أن رفع الأسعار بشكل مصطنع، ستكون له عواقب قانونية إن لم تكن وفق الإجراءات المعتمدة.
وجاءت زيادة أسعار البنزين، بعد رفع أسعار الديزل بداية العام الماضي 2015 من 55 فلساً للتر إلى 170 فلساً ( من 0.18 إلى 0.65 دولار)، لتكون بذلك أول دولة خليجية ترفع الدعم عن بعض المشتقات النفطية.
ويرجح خبراء اقتصاد أن تفرض زيادة أسعار المحروقات ضغوطاً تضخمية، فبحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء يبلغ متوسط إنفاق الأسرة الكويتية على النقل شهرياً نحو 5% من إجمالي الدخل، فيما يبلغ متوسط إنفاق الأسرة من الوافدين 7.3 %.
وقال بدر العتيبي، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن زيادة الأسعار ستفرض ضغوطاً على القوة الشرائية للدينار الكويتي بجانب الضغوط، التي يتعرض لها خلال الأشهر الماضية بسبب أزمة تراجعات أسعار النفط.
وتوقع العتيبي في تصريحات لـ "العربي الجديد"، ارتفاع تكلفة المعيشة بسبب الزيادة المنتظرة لبعض السلع والخدمات، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك زيادات تم تطبيقها بالفعل على العديد من السلع الرئيسية خلال الأيام الماضية بنسب تصل إلى 25%.
وأضاف أنه من المرجح أن تجري بيوت الأبحاث تعديلات لتوقعاتها بمستويات التضخم بالكويت للأشهر المقبلة، التي من المتوقع أن ترتفع بنحو كبير، مقابل توقعات سابقة بتراجع متوسط التضخم للعام 2016 إلى نحو 2.7% مقارنة بمتوسط العام 2015 البالغ 3.3%.
ارتفاع نسبة التضخم
وتعد الكويت حالياً الأعلى في معدلات التضخم بالمقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، حيث يصل متوسط التضخم إلى ما بين 3% و3.5% سنوياً، مقارنة مع نسبة التضخم بالسعودية وقطر البالغة 2.68% لكل منهما، بينما كان معدل التضخم أقل نسبيا في الإمارات والبحرين بنسبة بلغت 2.33% و2.5% على التوالي، فيما تتمتع سلطنة عمان
بأقل نسبة تضخم في أسعار المستهلك خليجيا بأقل من 1% عند مستوى 0.8%.
وقال عبدالعزيز الكندري، أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، إن التضخم في أسعار المواد الغذائية سيتحرك نحو الصعود، متوقعا أن تشهد أسعار السلع المزيد من الارتفاع خلال الأيام القليلة المقبلة، على وقع أسعار البنزين الجديدة، رغم تراجع أسعار المواد الغذائية عالمياً، وقرار الحكومة الأسبوع الماضي إعطاء 75 لتر بنزين للمواطنين مجاناً شهريا.
وفي اتصال هاتفي مع"العربي الجديد"، قال سعيد الحمد، نائب الرئيس التنفيذي لشركة أكوا جولف للمياه المعدنية إن زيادة أسعار النقل تعد العامل الرئيسي وراء زيادة أسعار السلع، لا سيما أن غالبية السيارات تعمل بالبنزين.
وأشار الحمد إلى أن المرور الكويتي أعطى تعليماته بسير سيارات النقل الكبيرة في مواعيد، وهو ما دفع الشركات لشراء سيارات صغيرة الحجم (نصف نقل) للتنقل بين مراكز البيع، لافتا إلى أنه مع زيادة أسعار البنزين اضطرت الشركات لزيادة أسعار منتجاتها.
ويشير مُقيمون في الكويت التقتهم "العربي الجديد" إلى أنه سرعان ما لوحظت زيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة تصل إلى 25% في الكثير من السلع، بعد الإعلان عن تحرير أسعار البنزين.
وقال محمد جابر، الذي يعمل مديراً في إحدى شركات المستلزمات الطبية، إن غلاء الأسعار أصبح حقيقة يتلمسها المقيم يومياً، مشيرا إلى أن هناك عدداً كبيراً يدرس حالياً تسفير عائلته إلى بلده، حتى يتمكن من استمراره في المعيشة في ظلال الغلاء المبالغ فيه بالأسعار.
ووصفت دعاء سيد، التي تعمل طبيبة في أحد مراكز التحاليل والأشعة، وضع الوافدين بالسيىء في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، مضيفة " لا بد أن يشعر أصحاب الشركات بمعاناة العمال والموظفين الوافدين، الذين يعملون برواتب منخفضة، وأن يبادروا إلى زيادة المرتبات حتى يتمكن الوافد من الوفاء بالتزاماته من مصروفات.
اتجاه لخفض الدعم
وفي مقابل المخاوف من زيادة أسعار السلع الاستهلاكية، ترى الحكومة أنه لا بد من خفض
الدعم الموجه للوقود وقطاعات أخرى لتقليص عجز الموازنة، المقدر بنحو 31.3 مليار دولار في العام المالي 2016/ 2017 الذي بدأ في أبريل/نيسان الماضي.
ويتوقع صندوق النقد الدولي عجزا تراكميا في موازنة الكويت تصل قيمته إلى 23 مليار دينار ( 76.2 مليار دولار) خلال الفترة من 2015 إلى 2020، حيث ساهمت أزمة تراجع النفط في هبوط إيرادات البلاد بأكثر من 60%، فيما يشكل النفط أكثر من 93% من جملة الإيرادات، مقابل تضخم بنود الأجور والدعم لتلتهم أكثر من 70% من إجمالي المصروفات.
وبحسب وزارة المالية، سيحقق تحرير أسعار البنزين وفرا بقيمة 398 مليون دولار مع بقاء متوسط أسعار البرميل عند 40 دولاراً للبرميل، حيث يبلغ دعم البنزين 928 مليون دولار، فيما تستهدف عمليات رفع الدعم التدريجي خفض هذا الدعم بنحو 75% على مدى الثلاث سنوات المقبلة، ليبلغ في العام المالي 2018/2019 نحو 226 مليون دولار.