القوميون العرب في العراق... وحدهم يعبرون دجلة

12 مارس 2017
راسم سياسة العراق يتقصّد إبقاء الخلافات الطائفية (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -
في العاصمة العراقية بغداد مقهى قديم، يقع قرب مبنى وزارة الدفاع القديم بساحة الميدان وسط المدينة، تحديداً على مقربة من "طوب أبو خزامة"، وهو مدفع عثماني قديم، يصل عمره لأكثر من مائتي عام، ويربض على ضفاف نهر دجلة. المقهى يعتبر ملتقى دائما للشخصيات العراقية التي تتبنى التيار القومي في البلاد، وتعتبره سبيل نجاة العراق مما هو فيه، وترى فيه أن "العراق لا ينبغي له إلا أن يكون عربياً لا دينياً، وكل ما يجري اليوم سببه تلاعب الأميركيين في العراق وتحويله من علماني عروبي إلى ديني طائفي". هناك يهزّ عامل المقهى يده ممتعضاً من كلام محمد صاحب، المعروف باسم محمد القومي (67 عاماً) وهو يحدّث مجموعة من الشبان تجمّعوا حوله عن فلسطين وحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وعن عام النكبة 1967، وكيف أن من ذهب إلى جنين الفلسطينية عام 1948، من الجيش العراقي، كانوا سنة وشيعة ومسيحيين جمعتهم العروبة. ويضيف عامل المقهى أن "محمد وباقي رفاقه يكرّرون الكلام نفسه يومياً". أما صاحب فيروي لـ"العربي الجديد"، بأنه "منذ عام 2006 تاريخ بدء الفتنة الطائفية التي تضرب العراق، أعبر دجلة من الكرخ إلى الرصافة، وأتنقل بأي حي أو منطقة أريدها، مهما كانت طائفة أو دين ساكنيها، فأنا فوق التصنيف الطائفي ويجمعني كل شيء ببغداد العروبة".

وعلى الرغم من تعدّد مدارسهم وافتقارهم للخيمة الجامعة الواضحة لهم، إلا أن القوميين ما زالوا مميزين في بغداد. يعرفهم الجميع من ملابسهم الأنيقة، فالبذلات السوداء والرمادية وربطة العنق الأنيقة، وأعمارهم التي تجاوزت الخمسين ربيعاً، بدت من الصعوبة التعرّف عليها، بسبب حرصهم على صبغ شعرهم لإخفاء الشيب. وهم يميلون للقراءة ولا يتوقفون عن محاولتهم تصحيح الوضع العام في العراق، على الرغم من ضعف صوتهم مقابل الأصوات الطائفية الصاخبة في البلاد. إلا أن أحدهم سيحتاج الكثير كي يثبت أنه ليس بعثياً بل قومياً قبل أن يشرع بنصائحه، فـ35 عاماً من حكم حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق جعلت، خطأً، كل قومي بعثياً.

من جهته، يقول رئيس التحالف الوطني العراقي المعارض، أحد أبرز قيادات التيار القومي العربي، عوني القلمجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "إخفاء صوت القومية العربية في العراق لا يعني عدم وجودها إطلاقاً". ويضيف الرجل الذي كان من الضباط المشاركين بحركات انقلابية مختلفة في ستينات القرن الماضي، أبرزها الانقلاب الذي أطاح بالرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم عام 1963، أنه "عندما نقول القوميون العرب أو أي حزب أو حركة أخرى في هذا البلد أو ذاك فإنه بالضرورة تكون هناك فئة اجتماعية بالبلد ممثلة عنه، وهو موجود فعلاً في العراق. لذلك ليس بإمكان جهة مهما علا شأنها في العراق تحطيم الفكر القومي العربي فيه أو إنهاؤه".



ويضيف القلمجي "نحن تحت احتلال، ومن ضمن مشروع الاحتلال أن تكون التيارات الدينية في الصدارة. والعراق حتى الآن محتل من قبل الأميركيين وكل من يحكم بالعراق أو له نفوذ سلطة فبأمر الأميركيين". ويعتبر أن "ما فوق الأرض في العراق هو لإيران وما تحته لأميركا" في إشارة للنفط العراقي. وحول ما إذا ساهم حزب البعث في إضعاف التيار القومي العربي المستقل، يوضح القلمجي أن "القوميين والبعثيين في صراع مستمر وطويل، وكنت شاهداً ومشاركاً في كثير من ذلك، وقمنا بانقلاب ضد عبد الكريم قاسم عام 1963 وصادره البعث. بالتالي كان الصراع على من يمثل التيار القومي في العراق. وهذا الصراع لم يكن دائماً، إذ شاركنا في قضايا مصيرية".

ويضيف قائلاً "بناء على كل ما أعرفه من تجارب عملية، أقول إن الشعوب هي من ستنتصر والمقاومة العراقية لم تكن إسلامية فقط بل قومية، وقادة التيار القومي هم عراقيون ومن قلب الجنوب العراقي، لذلك أقول إن الثورة المقبلة ضد الوضع ستكون من الجنوب العراقي. وعملية نزع عروبة الجنوب فاشلة بلا شك وهي فشلت فعلاً من قبل الاحتلال ومن ساعده في ذلك".

أما حسين عبد الله أحد دعاة القومية العربية ونبذ أسلمة المجتمع العراقي، فيلفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إسرائيل تنفست الصعداء عندما تمّت أسلمة القضية الفلسطينية التي تحوّلت فيما بعد إلى مزايدات، وصادرتها إيران بشعارات فارغة منذ 35 عاماً". ويتابع أنه "لو وجد الفكر القومي العربي وما يحوي من معان سامية ووحدوية، لتوقف المد الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن والخليج العربي بشكل كامل ولعادت قضية فلسطين حرة عربية للصدارة".

من جهته، يقول رئيس كتلة متحدون في البرلمان، ظافر العاني لـ"العربي الجديد"، إنه "لم يتعرض فكر أو تنظيم ما في عراق ما بعد 2003 إلى تنكيل وملاحقة وضعف، كما تعرّض له العروبيون، سواء كانوا منظمين في أطر حزبية أو حتى كانتماء إيديولوجي. ولعلّ هذا يعود لأسباب عديدة، أبرزها أن حزب البعث في العراق اختزل في نفسه الفكر القومي، فقمع وطارد أو على أقلّ تقدير عمل على تذويب الحركات العروبية التقليدية الأخرى، كالناصريين والوحدويين وحركة الاشتراكية العربية وغيرها. يضاف إلى ذلك ردّ فعل جيل الشباب السلبي تجاه الفكر القومي، بسبب تعثر تجربة البعث في العراق".

ويتابع العاني "كما أن من الأسباب انحسار الفكر القومي بعد عام 2003 لصالح الفكر والحركات الاسلامية ـ الطائفية، فسياسيو ما بعد الاحتلال بالعراق جاءوا ولديهم عداء أيديولوجي مع العروبة، إلى الحد الذي منعوا فيه ذكر انتماء العراق لأمته العربية في الدستور الحالي". ويشير إلى أن "تنامي القوة السياسية للأكراد جعل من الأحزاب العراقية تمارس أقصى قدر من المجاملة تجاههم، لإخفاء المشاعر العروبية، كما أنه وتحت ذريعة اجتثاث البعث، تم اجتثاث الفكر العروبي القومي الذي توارى أنصاره خوفاً مما قد يتعرضون له من تنكيل".

وحول ذلك يقول الخبير لقاء مكي لـ"العربي الجديد"، إن "الروح القومية والنزعة العربية للعراقيين قبل حزب البعث كانت حاضرة وبقوة، إذ شهدت الخمسينات من القرن الماضي، تظاهرات عارمة على شهداء الجزائر وفلسطين التي بدت كأنها قطعة من قلب بغداد. وتمّ رفع شعارات عربية خالصة. كما دعم العراق القضية التونسية واستقلال البلاد، وتمّت مساعدة الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في الأمم المتحدة".


ويضيف مكي أنّ "الفكرة القومية لم تكن غريبة بالعراق، لكن بعد الاحتلال تم تمويل حملات كرست الطائفية واعتبار كل قومي طائفي أو بعثي، ضمن مساعي نزع الهوية العربية للعراق ليس فقط من خلال الدستور ولكن من خلال الهجمة الإعلامية على الأمة العربية واعتبار كل ما يجري من مشاكل في العراق مصدره الأمة العربية. وذلك لنزع الفكرة القومية العربية وتكريس الفكرة الطائفية. وهذه حملة مدفوعة وكبيرة قد تكون الأولى من حجمها في التاريخ الحديث، فضلاً عن تكميم الأفواه القومية وتهجير ونفي العدد الأكبر منهم. والآن القوميون الذين يحملون فكر القومية العربية باتوا إما منفيين أو لا يستطيعون المجاهرة بأفكارهم". ويختم" بعد الاحتلال أصبح للحركة القومية والقوميون العرب بالعراق صحف ومقرات، ولكنها ضلت محدودة وتلاشى تأثيرها وانتهت، لأنها وجدت الساحة غير مهيأة لاستقبال الأفكار القومية في ظلّ الهجمة الواسعة على العروبة. كما أن راسم السياسة الجديدة أو النظام الجديد بالعراق بعد الاحتلال أراد تيارات طائفية وإسلامية لا علمانية ولا قومية".

دلالات
المساهمون