منذ بداية الثورة السورية، تناولت صحف القومي الحراك السوري بعنف شديد، والإشهار ضد الثورة توازى مع لغة النظام حتى بات إعلام القومي عائقاً على النظام نفسه، ذلك لأن طبيعة العقيدة القومية ومصطلحاتها الإيديولوجية بدأت تدخل في التعاطي الإعلامي مع الثورة بلغة أقسى وأشد عنفاً من لغة النظام نفسه!
فتخوين المتظاهرين، وتبرير قتلهم وحجبه أيضاً عن الإعلام، هي سياسة لم يتبعها النظام حتى في الأشهر الأولى، حيث كان يُريد ضبط مخارج جُمله وكلماته إعلامياً. ويدعي إعلامياً أن الضحايا من المتظاهرين قد قُتلوا بيد جماعات إرهابية ليُزيح التهمة عنه، أما إعلام الحزب فكان يعتبر ضحايا المظاهرات إرهابيين بالأصل ويستحقون القتل، مما جعل أتباع النظام ومُحبيه يُتابعون صحف القومي أكثر من صحف البعث، الحزب القائد للدولة وللمجتمع أو الصحف الرسمية الأخرى. ومنع النظام لفترة محدودة توزيع جرائد القومي السوري لحفظ توازن الإشهار الحكومي، فمن الصعب أن تكون ملكياً أكثر من الملك في سورية الأسد.
خطاب الإيديولوجيا القومي فتح أبواب عنصريته التي يُمارسها اتجاه اليهود الصهاينة في أدبياته وعقيدته على المواطنين السوريين أيضاً. ولم يكتف بالشعارات في وجه الشعب السوري أسوة بالكيان الصهيوني بل بالسلاح أيضاً، فما إن دخل القومي الحرب بمقاتليه ضد المعارضين السوريين حتى أصبح خطابه التحفيزي سبّاقاً لأي لغة يملكها النظام أو يستعملها، وأصبح معارضو النظام داخل سورية هم (يهود الداخل)، بالتالي أصبحت الجبهات التي يقودها الحزب حسب إعلامه هي "جبهات الصهاينة اليهود التكفيريين".
انزلق قول صحيفة الحزب (قتال يهود الداخل) على قتلاهم في معارك الزبداني، حيث يُقاتل الحزب مع مليشيات حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية الشيعية والجيش السوري. ونعت جريدة الحزب أحد المقاتلين بهذا الوصف المُستحدث.
اقرأ أيضاً: الأطفال في سورية يموتون... حقاً؟
مكمن السقوط الأخلاقي هو تجاهل التقارير الصحافية والبيانات الإعلامية للجهات المتحاربة على حساب مشروع الكراهية الإشهاري الذي يقوده الحزب. القوميون في إعلامهم لا يذكرون أن حواراً قد جرى في تركيا بين ممثلين لأهالي الزبداني المُحاصرين مع مسؤولين إيرانيين لفكّ عمليات القتال حول مدينة الزبداني، ولا يذكر إعلامهم أن الإيرانيين قد طلبوا من ممثلي أهالي الزبداني الخروج من منطقتهم وبيوتهم ليعيشوا في محافظة إدلب، وإسكان أهالي كفرية والفوعة بدلاً منهم، كشرط لوقف العمليات القتالية.
على الرغم من أن كُل الصحف والمراكز الإعلامية العالمية قد ذكرت الحوار الذي جرى في تركيا بين الطرفين، إلا أن الحزب وعلى طريقة نظام الإبادة السوري وبتفوق عنه يحجب هذه التقارير والبيانات، ويبني إعلاماً صحافياً وجماهيرياً يحض على الكراهية المفتوحة دون أدنى معيار للحقيقة.
وامتد إشهار الحزب إلى الطرقات العامة في سورية، فلم يكتف من خلال الصحيفة وصفحات التواصل الاجتماعي بتحفيز الكراهية على أهالي الزبداني أو أي جبهة يُقاتل فيها عناصر القومي في سورية، بل سمح له النظام بوضع صور لقتلاه في كل شوارع مدينتي طرطوس واللاذقية، لتأسيس الكراهية وجعلها شاناً يومياً وبديهياً ضد أي أحد لا يوالي النظام.
بتشابهٍ كبير استعمل النازيون هذه الطريقة بجعل كُل ممكنات الإشهار العنفي رائجة في الشارع والتلفاز والإعلام والراديو، ولا يُنسى أن القوميين السوريين هم أصحاب أكبر حزب فعال في سورية، والآن يقودون حملة شرسة لتشويه أي مُمكن سوري فهم يستخدمون أقسى لغة ممُكنة لإرضاء نظام الأسد.
بين قوسين أو أدنى يبدو أن تراث سعادة سينتهي في هذه الحرب، فوارثوه يتقاطعون مع النازية بطريقة أسدية أكثر من تقاطعهم مع ممكنات سورية وطنية لبناء مجتمع ودولة، فمن يقاتل لحماية منطقة تتبع لجماعة أهلية بذاتها يكون قد حجب سعادة وتراثه للأبد.
اقرأ أيضاً: الإعلام السوري ومعاقبة المهاجرين على "شهواتهم"